كثيرًا ما يضطر بعضنا إلى السهر من أجل إنهاء بعض الأعمال ، وقد يكون الأمر مرعبًا بعض الشيء إذا ما كنت ساهرًا ، في طقس شتوي بارد وعاصف أيضًا ، حيث يكون الطقس ملائم بشدة للخيال وانطلاق الأرواح والأشباح ، الهائمة والباحثة عن ملاذ ما ، كما حدث مع السيد فواز .
اعتاد فواز ذو الأربعين عامًا ، والذي يعيش وحده في وسط البلدة ، أن يسهر ليلاً ليمضي ليلته مستمعًا إلى أغاني أم كلثوم ، ويجلس بمرسمه الخاص يدندن معها ، ويطلق ريشته بين الصفحات البيضاء ، ليرسم بها ما ينبثق في خياله الخصب ، فهو أحد أعضاء هيئة التدريس بكلية الفنون الجميلة ، تلك الكلية التي طالما أحب تخصصها من قبل أن يدرسه ، فهو منذ الصغر وقد عُرف بريشته العبقرية ، التي طالما جسد بها وجوهًا كثر ، وهو يضع كافة خيالاته بها .
في إحدى الليالي وبينما يجلس فواز بمرسمه ، سمع دقات جرس الباب ! تساءل في نفسه يا تُرى من أتاه في هذا الطقس العاصف ، وبالأحرى في منتصف الليل ليدق عليه بابه !
نهض فواز بحذر من مرسمه ليذهب نحو الباب ، وينظر من خلفه عبر العين السحرية لير الطارق ، ولكنه لم يرى أحدًا ، فهم بالعودة من حيث أتى ، عله كان شخصًا يطرق الباب الخطأ ، ولكنه ما أن استدار حتى دق الجرس مرة أخرى ، فنظر من خلفه ليجد رجلاً ذو شارب كث ، يقف خلف الباب يرتعد متبللاً من أثر الأمطار بالخارج .
فتح فواز الباب بحذر وسأله عما يريد ، فابتسم له الرجل قائلاً أنه زائر للمدينة ، وقد انتصف عليه الليل والقطار لم يأتِ ، فاضطر للبحث عن نزل للمبيت حتى الصباح ، ووصف له أحدهم تلك المنطقة وهذا المبنى فصعد ولم يجد أحدًا ، يضيء المصابيح سواه فاضطر لطرق الباب ، علّه يجد لديه ملاذًا في هذا الصقيع حتى الصباح .
فتح له فواز باب منزله وطلب منه أن يدخل ، وبالفعل دخل الرجل وشعر فواز أنه ير علامات الارتياح على وجهه ، فسأله إن كان جائعًا فاعتذر الرجل بلطف ، ولكن رأى فواز بعينيه أنه يشعر بالحرج .
ذهب فواز إلى غرفة الطهي وأعد بعض الطعام الخفيف ، لزائره الغريب وخرج إليه ليقدم له الطعام ، وبسؤاله أخبره الرجل أنه من أصول ريفية ، وقد حضر إلى المدينة من أجل افتتاح إحدى القاعات الجديدة ، بالمتحف الذي يقع في منتصف المدينة ، فأخبره فواز أنه بالفعل قد تمت دعوته لهذا الحفل ، ولكن الحفل ليس اليوم وإنما بالغد ، فأومأ الرجل برأسه أن نعم ، ولكنه أخطأ في اليوم ولن يستطيع البقاء ليوم آخر ، وأن عليه العودة إلى بلدته بالصباح .
أنهى الرجل طعامه فأحضر له فواز بعض الأغطية ليتدثر بها ، من هذا الطقس العاصف فقد كان الطقس بارد جدًا وبحق ، فقام الرجل بالالتحاف بالأغطية ونام مبتسمًا ، كان فواز قد شعر بالإرهاق من يومه الطويل ، وهو عليه أن يذهب بالغد إلى حفل افتتاح القاعة الجديدة بالمتحف ، فنام ملء عينيه ونهض في الصباح الباكر ، فلم يجد زائره !
بحث عنه في كل مكان بالمنزل عله ذهب إلى دورة المياه ، ولكنه بالفعل لم يكن موجودًا فقال فواز في نفسه ، لابد أن الرجل قد شعر بالحرج من بقائه ، في الليل ارتدى فواز بذلته وذهب متأنقًا إلى الحفل ، وأخذ يتجول بين أرجاء القاعة الجديدة ، ويرى ما بها ولكن استوقفه أمر غريب .
ففي أحد الأركان حيث تم تعليق صورًا قديمة ، وإلى جوارها صورًا حديثة لبعض الأماكن في المدينة ، لفت نظره صورة لبعض الرجال يقفون مصفوفين ، فانتبه فواز إلى الصورة ، واتسعت عيناه رعبًا ، فسأل الشخص المسئول عن تلك الصورة ، فقال له الرجل هؤلاء بعض رجل المقاومة إبان فترة الاحتلال ، وقد تم التقاط تلك الصورة قبل مائتي عام ، اندهش فواز وارتعب أكثر من ذي قبل .
وقال له هذا الرجل بالمنتصف كان قد زارني بالأمس ، كيف له أن يكون في الصورة نفسها !! أجابه الرجل مندهشًا ربما اختلط على سيادتكم الأمر ، فقال فواز أنا متأكد بأنه هو من كان يزورني بالأمس ، ولديه أيضًا نفس اللحية والشارب ، بل ونفس الوحمة في جبهته ، وهنا تذكر أنه عندما نظر من خلف لم يجد من يدق الجرس .
اتسعت عينا الرجل رعبًا وأخذ يتساءل ، عما حدا بهذا الشبح زيارته بالأمس ، وانصرف تاركًا القاعة وخلفه الصورة ، بها الرجل وكأنه ينظر إليه من خلفه مبتسمًا .