قصص الجان والأشباح تملأ الأذهان ، وعلى مرور الأجيال لاشك أننا قد سمعنا من أمهاتنا وجداتنا ، تفاصيل مروعة وحكايات وأساطير مرعبة ، عن الجان والأشباح خاصة الأشهر من بينهم ، وهي النداهة والتي نرويها هنا بشكل آخر .
تقول الراوية وتدعى حسناء ، روت لي جدتي عن صديقتها بهية التي أخذتها جنيّة الترعة ، وهي تستحم من بينهن ، تلك القصة التي فتحت في عقلي الكثير من التساؤلات ، ولكن دعونا نروي التفاصيل .
بهية الفتاة الحسناء ، قطعة من الحلوى أو جزء من القمر ، هكذا كانت تصفها جدتي ، فقد كانت صديقة مقربة لها ، وقالت بأنها كانت أجمل فتاة في قريتهم ، وكثيرًا ما خطب ودها رجال القرية ، إلا أنها كانت ترفض الارتباط بأحدهم ، فقد كانت رغم حسنها وجمالها الباهر ، فقيرة جدًا وكان أغلب من يتقدمون لخطبتها ، من الرجال كبيري السن ، وهي ترفض الزواج بمن هو في مثل عمر أبيها ، لمجرد أن تنعم بالمال والثراء .
كانت الفتيات في هذا الوقت لا تتحممن في البانيو والماء الدفيء مثل اليوم ، وإنما كنا يذهبن إلى الترعة حيث الماء الجاري ، لغسل الأواني والصحون والملابس ، ومن ثَم الاستحمام بهدوء بعيدًا عن أعين المتربصين ، ولم يكن هناك متربصون في هذا الوقت أيضًا .
في أحد الأيام بدأت الفتيات بغسيل الصحون كالمعتاد ، وأثناء العمل صرخت بهية مرتعبة ، فانطلقت نحوها الفتيات ، لتقول لهن لقد رأيت أعينًا تحدق بي من أسفل المياه ، احتضنتها إحداهن وتدعى أمينة ، وركضت أخرى كانت معروفة بالجرأة ، ورباطة الجأش لتبحث داخل أعماق المياه ، لتغطس قليلاً ، وتصعد ضاحكة وهي تقول للفتايات بأن ما أرعب بهية ، الحسناء هو رأس حمار تنظر لها من تحت المياه .
بكت بهية وطيبت الفتيات خاطرها ، ولكنها انطلقت مبتعدة عنهن وسارت وحدها وقالت لهن بأنها ترغب في أن تكون وحدها ، ولكن جدتي كانت قلقة بشأنها فراقبتها من بعيد ، لتراها جلست في مكان ناءٍ بعض الشيء ، وفجأة ظهرت أمينة من العدم ، ذُهلت جدتي لهذا المشهد ، من أين أتت أمينة حقًا !!
ظلت جدتي تراقبهما ، وتستمع لهن وأمينة تواسي بهية وتقل لها ، لا تحزنين أو تغضبين منهن فأنت جميلة الجميلات وبهية القرية ، فجاوبتها بهية بأن جمالها لا يأتي لها بالمال ، ولكن أمينة قالت بأن أثرياء القرية جميعهم ، قد تقدموا لخطبتها ولكنها رفضت ، فأخبرتها بهية بأنهم كبيري السن وهي ترغب في الزواج من شاب مثلها .
آه لو تستطع الزواج من شاب ثري يأتيها بالحناء لتستحم بها ، بدلاً من تلك الرمال التي توجعها ، فابتسمت أمينة ابتسامة خبيثة ، وفتحت يداها لترى بهية الحناء ، فارتعبت وقد ظنت بأنها سرقتها ، فقالت لها أمينة هيا أحممك بها قبل أن يرانا أحد ، فأنا لم أسرقها وإنما أتيت بها من مالي الذي شقيت به طوال فترة من الوقت .
سعدت بهية وخلعت ملابسها ، لتحممها صديقتها وجارتها الحبيبة أمينة ، بدأت أمينة بوضع الحناء على اللوفة ، لتدعك بها ظهر بهية التي بدأت تتألم نظرًا لقوة أمينة غير المعتادة تلك !
كانت بهية تشعر بالألم وتتأوه ، بين يدي أمينة ولكن الأخيرة ظلت تعقل لها لا تقلقين ، ظنت بهية أن صوت أمينة مغاير بعض الشيء لما اعتادت عليه ، وسقطت منها ثيابها أرضًا ، وعندما حاولت التقاطها رأت خيالها على الأرض ، وإلى خلفها خيال من المفترض أنه لأمينة ، ولكن هذا الخيال الضخم لا يشبه خيال أمينة حقًا ، ولم يكن هذا هو الشيء الوحيد الذي أثار هلع بهية ، بل الخيالات الأخرى التي أحاطت بها أيضًا .
في الحقيقة من وقف خلف بهية ، لم يكن سوى جنيّة الترعة ، وقالت جدتي أنها رأتها ورأت إلى جوارها أعوانها ، الذين ساعدوها على سلخ جلد بهية ، وآخرون يساعدونها على تركيب الجلد لتلك الجنيّة ! نعم تلك الجنية لم يكن لها رغبة سوى في تقمص ، شخصية جميلة القرية ، التي سقطت أرضًا بعد سلخ جلدها تنزف دمًا وقد ماتت !
لتعود بهية إلى صديقاتها ، اللاتي نظرن إليها في دهشة واضحة ، وأخبرنها أنها قد صارت أكثر جمالاً من قبل ، فأخبرتهن بهية بأن هذا تأثير العيون التي رأتها أسفل المياه ، وضحكن جميعًا ، ولم يعرف حقيقة بهية قط سوى جدتي رحمها الله .