تعد هذه القصة واحدة من أشهر وأكثر حالات الهسيتريا والخوف من السحر والشيطان ، وكانت قصتنا قد بدأت من الولايات المتحدة الأميركية بولاية ماساتشوستس في عام 1692م ، حيث عانت طفلتين تنتميان لقرية صغيرة ، وتبلغ كل منهما 9 سنوات و11 سنة ، من أعراض غريبة بعض الشيء ؛ تمثلت في تشنجات متواصلة لأكثر من نصف الساعة ، وخروج أصوات غريبة من حنجرتيهما وكلمات مجهولة بلغات غير مألوفة لهم .
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد ، بل بدأت الطفلتان في التصرف بسلوك عصبي وعنيف وتمتعتا بقوة جسدية ضخمة للغاية ، بالإضافة إلى حدوث برودة في الطقس ، وتصاعد روائح الاحتراق والعفن في أية مكان يتواجدن به.
كانت الطفلتين ابنة القس الأكبر في القرية ويُدعى سامويل باريس ، والأخرى ابنة أخته والذي فسر ما تمر بها الطفلتان من أعراض غريب بأنها أعراض مرض غير معروف ! بدلاً من أن يظن بأنها أعراض مس واضحة ، وقام باحتجاز الطفلتين داخل المنزل لفترة قاربت أسبوعين.
عقب مرور أسبوعين
بدأت طفلتين أخرتين في الدخول لمثل هذه الحالة الغريبة ، وكانت أعمارهما تتراوح بين 8 و 11 عام أيضًا ، ولكن لم تقف الأعراض مثل الفتاتين السابقتين بل بدأت الفتيات الأربع تشتكين من رؤية كائن غريب الشكل ، يهددهن ويعذبهم وبدأت آنذاك تظهر علامات غريبة على أجسادهن بالفعل ، مثل خدوش وكدمات وعلامات مثل العض بالأسنان ، وللتأكد من روايتهن قام طبيب القرية الوحيد بفحص الفتيات ، ولكن لم يجد سبب طبي واحد يمكنه أن يحدث تلك الأعراض بالأطفال .
وبالطبع في مجتمع صغير ومنغلق مثل هذا ، لجأ القس سامويل ومعه قس آخر يُدعى ديودات لوسن ، بعمل اجتماع مغلق لأهالي القرية ، حيث انتشر الخبر بينهم وبدؤوا جميعًا في الخوف على أطفالهم من تلك الأعراض ، وقام القس باريس بشرح الموضوع للأهالي موضحًا أن ما تمر به الفتيات ليس سوى مرض عابر ، وما يثير الذعر هو فقط عدم قدرتهم على تحديد هذا المرض ، وكانت الفتيات الصغيرات ضمن الحضور ، وفجأة وأثناء الاجتماع دخلت الفتيات الأربعة في حالة هستيرية من التشنجات في وقت واحد ، وبدئن في الالتواء أرضًا بشكل غريب .
هنا توجه القاضي بسؤال الفتيات وطلب منهن أن تذكرن أسماء ، أية أسماء لأشخاص قد يكونوا هم المتهمون فيما يحدث لهن ، هنا بالفعل ذكرت الفتيات ثلاثة أسماء لثلاث سيدات كن بالمكان ، وأنهن السبب فيما يحدث وهن ؛ سارا جوود ، و سارا أوزبورن ، وتيتشبا ، وأنكرت السيدتان جوود وأوزبورن أن لهما صلة بالأمر من الأساس ، في حين اعترفت تيتشبا بأنها بالفعل من تسببت فيما حدث للأطفال ، وكان ما قالته تيتشبا أن الشيطان هو من طلب منها أن تفعل ذلك وهي نفذت فقط .
كانت هذه الجملة بمثابة الشرارة التي انطلقت منها شعلة أفظع حالة هيستيرية في التخلص من السحرة ، والتي اشتهرت فيما بعد بمحاكمات سحرة سالم ، واعترفت تيتشبا بأنها ترى مخلوقات غريبة الشكل ، وتسمع أصواتًا بلغات غير مفهومة وطلبت من الجميع أن يخلصونها من الشيطان ، وقبل أن تتم محاكمتها أصيب فجأة تيتشبا بالعمى ، وقبل حدوث ذلك اعترفت تيتشبا بأنها ليست هي الوحيدة التي تقوم بذلك في سالم.
مايو من عام 1692م
كانت الأعراض قد انتشرت بشكلٍ مخيف في كل أنحاء سالم ، ومعها تزايدت حالات هيستريا المحاكمات ، وكانت كل سيدة يشتبه في اختلافها تتم محاكمتها ، إذا كانت تملك كتبًا ، أو أعشابًا للعلاج ، أو حتى جذابة الشكل ! وكان يتم اتهامها بالسحر ومن ثم يتم التخلص منها فورًا .
وكانت المحاكمات تتم علانية بقاعة القضاء بالقرية ، ويحضرها كافة أبناء القرية ، وكانت تتم المحاكمة بناء على ما يقوله المتهم دون أية وقائع أو دلائل مادية ، ثم تأتي المرحلة التالية وهي مرحلة أخذ الاعتراف من الساحرات وكان ذلك يتم بطريقة التعذيب ؛ والتي تمثلت في الحرق ، ونزع الجلد ، ونزع الأظافر ، ووضعهم في أقفاص على جمرات ملتهبة ، والربط علانية أمام السكان حتى يتم رجمهم وغيرها من الوسائل البشعة.
يوليو إلى سبتمبر من عام 1692م
تم خلال تلك الفترة إعدام ما يقرب من ثمانية عشر شخصًا بتهمة ممارسة السحر ، منهم أربعة رجال فقط ، والأشخاص الباقون من النساء ، وأحد الرجال كان كاهنًا يدعى جورج بوروز ؛ والذي اتهمته مجموعة من النساء بأنه هو من علمهن السحر وأوصلهن بالشيطان.
وكانت طريقة الإعدام تتم إما بالحرق أو الشنق ، والكاهن جورج تم إحراقه ، وأثناء تنفيذ عملية الحرق قام الكاهن بتلاوة صلاة بصوت مرتفع – وهو أمر لا يستطيع أي سحر فعله – ومع ارتفاع صوته بالصلاة أصاب الذهول الجمهور المحتشد ، وبدلاً من العودة إلى صوابهم قاموا باتهام القاضي بأن هناك شخص ما يتحكم به ، ويجعله يتهم الأبرياء زورًا!
وكنا من تم اتهامه حينذاك ، طفلة تبلغ من العمر سبعة أعوام ، كانت قد تشنجت وصرخت إبان مشهد الإعدام حتى أنها فقدت وعيها داخل القاعة ، وبالتالي اتهمت الطفلة بأنها على علاقة مع الشيطان ورغم دفاع والدتها عنها ، إلا أنها حُبست في قفص قريب وشاهدت ابنتها وهي تحترق فوق وتد خشبي .
أكتوبر من عام 1692م
بحلول شهر أكتوبر كان قد تم إعدام عشرون شخصًا ، جميعهم بين تسعة أعوام وعشرين عامًا ، وتوفي حوالي 14 شخصًا جراء عمليات التعذيب داخل السجون ، وتم جمع الجثث كافة ودفنها بدون مراسم دفن لائقة بهم ، وشواهد قبور بدون أسماء بأعلى قمة التل المطل على مدينة سالم ويدعى Gallows Hill
قبل حلول عام 1693م
توقفت عمليات الإعدام بشكلٍ مفاجئ نتيجة ثورة ذوي المتوفين ، مع هروب أغلب السكان إلى خارج المدينة هربًا من الموت المحتوم بداخلها ، ولم يتم التعرف بالضبط على أسباب توقف عمليات الإعدام ، ولكن بين ليلة وضحاها صارت المدينة شبه مهجورة ، حيث اندلع حريق مفاجئ بدأ من أعلى التل وانتشر حتى وصل إلى المدينة ، وتركها غارقة في الرماد والدماء .
وانتهت قصة القرية دون أن يعرف أحدهم ما الذي أصاب أطفالها ، وما سر ما حدث لسكانها من الأساس ، وهل بالفعل كان هناك سحرة يمارسون طقوسًا غير مفهومًا لتطويع الجان أو خدمة الشيطان كما اعترفت بعض النساء آنذاك ؟
تم وضع العديد من النظريات بشأن محاكمات سحرة سالم ، ولكن دون أن يصل أحد إلى شيء دقيق ، ولم يعرف حتى الآن هل ما حدث كان بفعل طقس الشتاء والمجتمع المغلق ، فأدى الأمر إلى حدوث هلاوس جماعية داخل القرية ؟ ، جدير بالذكر أنه في عام 1992م ، تم بناء نصبًا تذكاريًا لكافة ضحايا محاكمات الساحرات في سالم ، ومنذ ذلك الوقت تم فتح المدينة للزيارة ولباحثي الماورائيات .