قد نتقلب بين حزن وفرح وتعبر الأيام ثقيلة فوق أرواحنا ، منا من يتجاوز الحزن ليجر إلى نفسه الفرح جرًا ، ومنا من لم يتحمل ذلك وينهار في غياهب الكآبة والبرود والظلام ، ولعل هذا ما عاشته سارة باري خلال مسيرتها وحتى وافتها المنية .

كانت سارة باردي هي الابنة الوحيدة والمدللة لعائلتها الثرية ، رغم قصر قامتها ولكنها كانت جميلة الشكل والروح ، وتسلب الأفئدة بمجرد التعامل معها عن قرب ، وتوقعت لها عائلتها أن تتزوج من أحد النبلاء الأثرياء ، فمن لا يعشق مخلوقة مثلها ذات حسب ونسب ، وروح مرحة وعازفة بيانو موهوبة حقًا.

وبالفعل حدث ما توقعه الجميع ، فقد تقدم لخطبتها وليم وينشيستر سليل عائلة وينشيستر التي تعمل بتجارة الأسلحة ، في الولايات المتحدة الأمريكية ، حيث قامت شركة العائلة بتصنيع بندقية ونشيستر شبه الآلية ، إبان فترة إبادة الجنود الأمريكان للهنود الحمر بغرب أمريكا ، وكلما انطلقت رصاصاتهم كلما زادت العائلة ثراء .

تزوج وليم من سارة وعاشا حياة جميلة دامت فيها سعادتهما لأربعة أعوام ، وأعقبها انجابهما لطفلتهما آني ، لم ينجبا سواها ولكن انقلبت الموازين فجأة ، وغابت ضحكات وسعادة العائلة ، بوفاة الطفلة آني عقب ولادتها بفترة قصيرة للغاية ، مما أسدل ستائر الحزن على سارة ، التي بكت وانتحبت لسنوات عدة ، وما أن استطاعت سارة أن تتجاوز محنتها حيث لم تنجب طفل آخر ، مرض زوجها وليم بالسل فجأة ، وصارع كثيرًا إلى أن توفى هو الآخر ، وبقيت سارة وحدها تنازع آلامها وفواجعها .

ولكنها أخذت تفكر بطريقة أخرى ، حيث شعرت بأن وفاة طفلتها وزوجها لم يكن مجرد مصادفة وظلت ترصد الأمر ، إلى أن وقع اختيارها على وسطية روحية لتخبرها حقيقة ما يحدث بالضبط ، تحدثت الوسيطة عن لسان وليم زوج سارة الراحل ، وأخبرتها بأن سبب وفاته هو وابنتها ، مطاردة أرواح الآلاف الذين قتلوا بسلاح آل وينشيستر ، والذي زادت ثروتهم بسببه ، وأنها لابد أن تغادر المنزل وتتجه صوب الغرب الأمريكي لتجد هناك منزلاً وأرضًا جديدة ، سوف يرشدها هو إليها ، ولابد أن تقوم ببناء منزلاً لتلك الأرواح التي لاقت حتفها ، وأنها يجب أن تستمر في البناء إذا ما أرادت أن تحيا .

ولكن إذا توقفت سوف تموت ، وانصرفت سارة وقد صدقت تلك الوسيطة ، وباعت سارة بالفعل كافة أملاكها واتجهت صوب الغرب الأمريكي في رحلة شاقة ، قادتها إلى مكان به منزل خشبي صغير ، شعرت سارة حين رأته بأن هذا هو المنزل المنشود ، فاشترته من مالكه بالإضافة إلى الأرض المحيطة به ، وما أن سكنته حتى بدأت بالعيش فيه مع خدمها وبدأت المطارق تعمل به ليلاً ونهارًا دون توقف ، حتى أن العمال كانوا يتناوبون العمل به في ورديات لكي لا تتوقف أصوات البناء .

يومًا بعد يوم ، تم بناء المنزل وكان مكونًا من سبعة طوابق ، وبه 47 درجًا مختلف تفضي إما لنوافذ تلقيك خارج المنزل ، أو أنها تفضي إلى جدران صماء ! وقد تصعد على درج يقودك إلى آخر تنزل من خلاله لتجد نفسك في غرفة بباب واحد ، تطل من خلالها على غرفة أخرى بلا أبواب أو نوافذ ، المنزل من الداخل صار كالمتاهة ، ولم تجد سارة غضاضة في الإنفاق على بنائه العشوائي ، فقد كانت تضع خطة البناء بنفسها لتكفي أسبوعًا كاملاً ثم تضع بعدها خطة أخرى وهكذا.

ويعتقد البعض أن سبب المتاهة التي حدثت بالمنزل داخليًا سببها ، عشوائية البناء التي لجأت إليها سارة فقد كانت تنتقل لبناء جزء جديد دون الانتهاء من الجزء السابق ، بينما رجح آخرون بأنها قصدت ذلك وأنها وضعت الفخاخ وقامت بالبناء بتلك الطريقة ، حتى تجبر الأشباح والأرواح المعذبة على عدم ملاحقتها .

فكانت سارة تؤمن أن من بينهم القتلة والسفاحون ، فأرادت أن تتخلص من تلك الأرواح الشريرة ، وكان الملفت في الأمر هو سيطرة الرقم 13 على كافة أرجاء البناء ، فقد كانت النوافذ تتكون من 13 شكلاً ، وكان بكل طابق 13 غرفة ، و13 باب ، و13 موقد وهكذا ، ويُعتقد أن سارة فعلت ذلك للتخلص من أشباحها التي تلاحقها.

وفي عام 1906م سقطت ثلاثة طوابق من المنزل في زلزال لوس أنجلوس ، واعتقدت سارة بأنه انتقام الأشباح منها ، فقد ضجروا بالطبع من تلك المتاهة التي وضعتهم بها ، ولم يتوقف البناء طوال ستة عشر عامًا ، حتى توفت سارة في هدوء حيث وجدها الخدم جثة هامدة بفراشها ، وكانت سارة قد كتبت وصيتها من 13 فقرة وذيلتها بـ13 توقيع ، ووهبت ثروتها لابنة شقيقتها التي كانت تدير أعمالها طوال تلك الفترة.

ولم تكن ابنة الشقيقة ترغب في الاحتفاظ بالمنزل ، فعرضته للبيع ، وحصلت على 5.5 مليون دولار من هذا المنزل من جانب عددًا من المستثمرين ، وتم افتتاحه كمزار سياحي عقب وفاة سارة بخمسة أشهر فقط .

By Lars