كان مسرح موهوك ، مزدحم بحشد من الجمهور المرتقب رفع الستارة ، وسط الضحكات العالية ، وسعادة الجميع ، ما عدا شخصين جالسين في الصف الأمامي ، ارتسم على وجهيهما ملامح الدهشة والخوف أيضًا ، كانت الساعة قرابة الثالثة والنص فجراً ، في مسرح موهوك المهجور منذ خمس سنوات ، الواقع في حي الوست اند ، فلقد كان هذان الرجلان يعرفان بما لا يدع مجال للشك ، أنهم جالسين وسط جمهور من الأشباح .

المسرح:
كان مسرح موهوك معروف أنه نحساً على كل الأعمال التي قدمت به ، فقد سقطت جميع المسرحيات التي قدمت على خشبته ، وهو حاليًا مهجور حتي يتخذ صاحبه قرار بشأنه ، وقد جرت محاولة لافتتاح المسرح مرة أخرى تحت اسم جديد ، ولكن تلك المحاولة باءت بالفشل ، وقد أشيع بين الناس ، أن ذلك المسرح سواء مفتوح أو مغلق ، فقد سكنت الأشباح في أركانه .

فريق البحث العلمي:
وفي عام 1943م ، قرر الباحثان موريس روزينجتون ،ولويس ميلر ، أن يجروا بحوثأً داخل المسرح ، لمعرفة صدق ما يتداوله الناس عن وجود أشباح في ذلك المكان ، وقد وافق مالك المسرح على ذلك ، بشرط عدم وصول أخبار بحوثهما إلى الصحافة .

المحاولة الأولي:
وفي ديسمبر عام 1943م ، تحرك الباحثان الى المسرح وقد عزما على تمضية الليل به ، كان مبنى المسرح موحشاً بالفعل ، لا تسمع داخله سوى ارتطام الرياح بنوافذه ، وبعد أن تجولا داخل صالة المسرح وممراته ومقصوراته وغرف ممثليه ، توجها إلى خلفية خشبة المسرح ، وكان التراب يغطي كل شيء .

تحركات غير طبيعية:
ولوهلة سمع الباحث ميلر صوت حركة في حجرة ملابس المسرح ، فتح الباب بحرص ونظر داخل الغرفة ، فوجد رجلا ينحني لالتقاط سيف من المهمات المسرحية ، وما إن خطى داخل الحجرة حتى اختفى الرجل .

وفي هذه الأثناء كان الباحث موريس يقف على خشبة المسرح ، حينما أحس أن أحد ما يراقبه من بعيد ، فاستدار فجأة فوجد امرأة طويلة القامة بدينه ، ذات شعر وعيون سوداء ، تنظر إليه بفضول من بين كواليس المسرح ، تقف وقد بدا على وجهها فرط شحوب اللون الأبيض ، ثم راحت تسير باتجاه كواليس المسرح في الجانب الآخر من خشبة المسرح واختفت بينها.

تدوين المستجدات:
وبينما اجتمع الباحثان موريس روزينجتون ، ولويس ميلر ، في صالة المسرح على كرسين متجاورين ، بالصف الأول في مواجهة مكان الأوركسترا ، منشغلان بتسجيل ما شاهداه ، فإذا بأصوات ضحكات تعلو فجأة وأصوات صخب شديده ، وحينما استدارا ، وجدا مقاعد المسرح وقد شغلت جميعها بأناس يرتدون ملابس ، يرجع طرازها إلى خمسين عام مضت ، وقد لاحظا أن هذا الجمهور لم يكن يبدو حقيقيًا .

فقد سادت وجوههم مسحة شحوب مثل التي تظهر على الأموات ، وفي إحدى المقصورات ، وجد السيدة التي كانت تعبر المسرح بين الكواليس ، جالسة وقد ارتدت فستان أنيق للسهرة ، وتميل على حافة المقصورة مركزة بنظرها على خشبة المسرح .

العرض المسرحي:
توقفت الأصوات فجأة ، وارتفعت ستائر المسرح على مشد يمثل غابة ، وقد وقف ممثلان يتأهبان للمبارزة بالسيوف ، أحدهما أشقر له ذقن ، والآخر أسمر حليق الذقن ، بدأت المبارزة ، وقد أمسك الجمهور أنفاسه ، ولم تكن تسمع غير قعقعة السلاح ، وقد لاحظ أن السيدة التي تجلس في المقصورة تتابع المبارزة بترقب شديد .

وفجأة قفز الرجل الأشقر وغرس السيف في صدر الرجل الآخر ، صدرت صيحة من المرأة التي في المقصورة ، لكنها كانت صيحة الفرح ، ثم راحت تصفق بيديها في حماس كبير ، ثم هبط الستار وعلى الفور أصبحت الصالة خالية تماماً .

استمرار البحث :
وفي اليوم التالى جلسا كل من الباحثان موريس روزينجتون ، ولويس ميلر ، في غرفة مستقلة ، وراحا يسجلان تقريرهما عما جرى ، فجاء التقريران متطابقان تماماً في كل التفاصيل .

ثم بدآ بحثاً دقيقاً ، في تاريخ مسرح موهوك ، فاكتشفا حقائق ترجع تاريخها الي عام 1886م ، أي قبل ذلك الوقت بأكثر من خمسين عامًا ، كانت تقدم على خشبة ذلك المسرح ، عرض مسرحي يدعى العين الساهرة ، تقاسم بطولتها الممثلان جاى لانج  وريموند روس ، وكان معروف بأن روس على علاقة غرامية بزوجة لانج .

مبارزة بالسيوف القاتلة:
وذات مساء ، قتل روس زميله لانج ، ومن المعروف أن سيوف المبارزة المسرحية ، تحمل في نهايتها كرة صغيرة ، لحماية الممثلين أثناء المبارزة ، وفي تلك الليلة وجدوا سيف روس وقد خلا من تلك الكرة .

خيانة:
وقد راجت الشائعات وقتها ، تقول أن الزوجة العاشقة قدمت رشوة لعامل الملابس في المسرح ، لكي ينتزع تلك الكرة من سيف روس ، ومنذ ذلك الحين راحت الأقاويل عن وجود أشباح في المسرح .

حقيقة أخيرة:
قبل وفاة الباحث موريس عام 1954م ، كان يواصل بحثه في الأرشيف المسرحي لإحدى الصحف ، فعثر على صورتين قد حال لونهما ، وشعر بصلة ما تربطه بالوجهين في الصورة ، ثم تذكر أن تلك الوجهين هما من رآهما يتبارزان على خشبة المسرح ، وعندما قلب الصورة قرأ الاسمين جاى لانج وريموند روس .

By Lars