لاشك أن قصة فتح الرياض من القصص الملحمية الكبيرة والهامة تاريخ الوطن العربي بأكمله، وقد تمت تلك الحادثة الكبرى عام 1902 م الموافق عام 1319 للهجرة على يد الملك الراحل عبدالعزيز، فقد كان استرداد الرياض بمثابة نقطة تحول تاريخية في الوطن العربي ككل حيث تم توحيد أرض الحجاز تحت راية حكم واحد قوي وتمت استعادة الأمن والحضارة في شبه الجزيرة العربية بعد سنوات من الاضطراب.
والملك عبدالعزيز هو أحد أبناء الإمام عبدالرحمن آل سعود وكان الإمام قد تم نقله خارج الرياض إلى قطر ثم البحرين ثم استقر رحمه الله في الكويت بأوامر من الدولة العثمانية وكان الملك عبدالعزيز حينها في الخامسة عشر من عمره، لكن فكرة العودة للوطن لأرض آبائه وأجداده لم تغب عن ذهن سمو الملك الراحل.
فقرر المحاولة وبالفعل كانت المحاولة الأولى لاسترداد الرياض والتي كانت عاصمة الدولة السعودية الثانية في العام 1901م، لكنها لم تنجح، ومع ذلك كان سمو الملك الراحل مليء بالإصرار والعزيمة ومصر على المحاولة حتى ينجح، وقد أخبر والده الإمام عبدالرحمن بذلك.
ويروى المؤرخ خير الدين الزركلي عن يوسف ياسين مستشار الملك أن الملك الراحل كان قد تبع والده إلى مكان خالي واستوقفه وطلب منه أن يأذن له بالحديث لكن الإمام عبدالرحمن رفض، فأصر الملك رحمه الله على التحدث مع والده، وقال لأبيه الراحل أنه أمام خيارين لاثالث لهما وهما إما أن يأمر أحد العبيد بقطع رأس ابنه وإما أن يذهب الآن لمنزل الشيخ مبارك شيخ الكويت ولا يخرج منه إلا بعد أن يقتنع بتسهيل خروج الملك الراحل لنجد ليقاتل ويسترد الرياض.
وأمام هذا الإصرار والعزيمة لم يجد الإمام عبدالرحمن بد من الموافقة، وبالفعل أقنع الشيخ مبارك بتسهيل مهمة ابنه، وبعد أن حصل الملك الراحل على مباركة ورضى والده جهز رجاله وعددهم أربعين وكانوا جميعًا من رجال أسرة الملك ورجال البادية لأن الشيخ مبارك لم يمده بأي رجال، وقد أعطى الشيخ مبارك للملك عتاد بسيط لا يتعدى الثلاثين بندقية ومبلغ مائتي ريال وبعض الزاد للطريق.
أخذ الملك رجاله وتوكل على الله عز وجل واتجهوا نحو العيينة ، ويروي الملك الراحل أنهم أقاموا شهر شعبان بأكمله وحتى يوم شرين رمضان في منطقة وسط الربع الخالي، وقد أغار عدة غارات على بعض القبائل التي كانت موالية لابن رشيد، إلا أن المصادر التاريخية تختلف في ذكر مواقيت تلك الغارات.
وقبل انطلاق الملك نحو الرياض كان قد انضم لجيشه حوالي 1400 رجل من القبائل الموجودة في المنطقة، وكان بن رشيد قد اتجه نحو حفر الباطن وأقام بها استعدادًا للهجوم على الكويت، فاستغل الملك عبدالعزيز تلك الفرصة وسار برجاله باتجاه الرياض.
لكنه استمر في إرسال الرسل للتأكد من أن الظروف مواتية لدخول الرياض، كما أنه أرسل رسل للشيخ عبدالله بن عبداللطيف ليخبره بتقدمه نحو الرياض، وخلال فترة الانتظار ورد للملك مبعوث من والده الإمام يطلب منه الكف عن القيام بغاراته ويعود للكويت، فاجتمع سمو الملك الراحل مع رجاله وعرض عليهم رسالة والده وخيرهم بين البقاء واستكمال ما بدؤوه أو العودة، لكنهم جميعًا اختاروا البقاء، وكان رسول الإمام حاضرًا فلب منه الملك أن يخبر والده بما رآه.
وكما ذكرنا فإن الملك الراحل خرج نحو الرياض في العشرين من رمضان وقد اتجه نحو آبار حرض ثم سار نحو ماء أبو جفان وكان ذلك في أخر ليلة من شهر رمضان، وهناك قضوا يومين من أيام العيد، ثم بعدها ساروا باتجاه الرياض ووصلوا إلى ضلع الشقيب.
من هناك قام الملك بتقسيم الرجال وترك 23 رجلًا عند المنطقة التي بها الأمتعة والإبل، وتقدم مع أربعين رجلًا نحو الرياض، وقد أن يصلوا لأسوار المدينة قسم الملك رجاله مرة أخرى لقسمين.
وكانت المجموعة الأولى تتكون من 33 ورجًا كان من بينهم الأمير محمد بن عبدالرحمن أخو الملك وقد تركه ليقودهم، واتجه هو مع سبعة رجال نحو الرياض، ودخلوا المدينة من جزء من السور كان بن رشيد قد هدمه، واستطاع الملك ورجاله التسلل إلى منزل مجاور لمنزل عجلان أمير الرياض.
ثم أرسل الملك أبناء عمه ليطلب من أخيه والرجال الانضمام إليهم، وعندما وصلوا تركهم الملك في المنزل، بينما تسلل هو والسبعة الذين دخلوا الرياض معه إلى داخل بيت عجلان، وقاموا بحبس الخدم في غرفة، لكن عجلان نفسه لم يكن موجودًا حيث كان يبيت الليل في قصر المصمك.
وقد عرف الأمير من زوجة عجلان ومن الخدم موعد عودته من قصر المصمك وأن معه ثمانين رجلًا محصنين داخل القلعة، فسأل الأمير عن الخادمة التي تفتح له باب المنزل، ثم اختاروا رجلًا منهم له نفس طول الخادمة وارتدى ثياب الخادمة التي تفتح الباب وانتظر عند باب المنزل لحين عودة عجلان.
أما الملك وباقي الرجال فقد صعدوا أعلى المنزل وانتظروا بجوار فتحة تطل على القصر ليراقبوا خروجهم من القلعة، وعند طلوع الفجر فتح باب قصر المصمك وخرج الخدم أولًا، وذلك لأن عجلان كان حذرًا بسبب خوفه من الغارة الأولى التي شنها عليه الملك عبدالعزيز سابقًا.
وبعد قليل أخرج الرجال الخيول وربطوها في مكان واسع أمام القلعة، ولما رأى الملك باب القلعة قد فتح نزل وهو والرجال لكنه ترك أربعة من الرجال وأمرهم أن يطلقوا النار على الرجال الموجودين عند باب القصر عندما يخرج الملك ورجاله نحو القصر.
وبالفعل ركض الأمير والرجال نحو عجلان ورجاله وكانوا واقفين عند الخيول، وعندما رأى رجال عجلان الملك قادمًا نحوهم ركضوا جميعًا نحو القصر ليختبئوا وبقي عجلان وحده، وقد حاول ضرب الملك بسيفه ثم سار نحو القلعة لكن إحدى رصاصات الملك قد أصابته واستطاع الملك عبدالعزيز قتله بعد معركة قصيرة، وسيطر على القصر ثم أمن أهل البلاد على أرواحهم، وأرسل لأبيه في الكويت ليبشره ويطلب منه المدد، وقاموا ببناء السور مرة أخرى، وبدأ بعدها تأسيس المملكة الحديثة.