كان أحد الأمراء ، يتجول ذات يوم من الأيام ، في إحدى ضواحي المدينة الكبيرة ، أخذ الأمير يتجول هنا ، وهناك ، ويتفقد أحوال رعيته ، في ذلك الجزء من المدينة ، التي يكون له الإمارة عليها ، فإذ به ، وهو منهك أثناء تجوله في ذلك الجزء من مدينته ، رأى الأمير فتى صغيرًا في السن ، فترى ، ماذا كان يفعل ذلك الفتى ؟ وما الذي أحدثه الفتى ، حتى يلفت انتباه الأمير ؟
رأى الأمير أن ذلك الفتى ، كان يقود حيوانًا يركبه ، بكل ما يساوي معاني القسوة ، والعنف الشديد ، لما رأى الأمير ذلك ، استاء ، وغضب بشدة ، مما يفعله الفتى ، فاستوقفه الأمير قائلًا : ” يا فتي ، مالك تقسو علي هذا الحيوان بهذه الطريقة البشعة ؟ رفقًا به ، ثم رفقًا ” ، رد الفتي قائلًا : ” أحيانًا يا سيدي ، يكون في الرفق ضرر ” .
تعجب الأمير من جواب الفتى كثيرًا ، وإذ به قد وجه إليه سؤالًا ، وقال : ” كيف ذلك أيها الفتى ؟ ” ، سكت الفتى قليلًا ، ثم قال مجيبًا على سؤال الأمير : ” إن تركت هذا الحيوان يسرع ، كما يشاء ، فسيخف حمله ، وثقله ، الذي يعتليه ، وبالتالي يقل أكله ، بينما يا سيدي ، إن تركت هذا الحيوان يبطئ ، فسيطول طريقه كثيرًا ، وبالتالي يشتد جوعه ، وعطشه “.
تعجب الأمير حق التعجب ، واندهش كثيرًا مما قاله ذلك الفتى ، ومن طريقة تفكيره تلك ، فهو له من الفطنة ، والبلاغة ، قسط وفير ، وهنا ، وبعد سماع ما قاله الفتى ، من دون تردد ، قرر الأمير أن يكافئ ذلك الفتى الفطين ، فأعطاه من المال ، مقدار عشرة آلاف درهم كاملة ، نظير ما وجد فيه من حكمة ، وفصاحة ، وذكاء .
فقال الفتى للأمير : ” أتعلم أيها الأمير الجليل ، إن هذا المال ، ما هو في الأصل ، إلا رزق مقدر ، ومكتوب ، من لدن الله ، جل علاه ، فهو كريم ، فأكرمني ” ، ازداد إعجاب الأمير به أكثر ، ومن ثم قال له : ” أيها الفتي إني قد كتبت اسمك في بطاقتي ” ، فقال له الفتي : “رزقت معونة ، وكفيت مؤنة ” ، فقال له الأمير : ” وجدت فيك أيها الفتى الذكي ، ما يجعلك وزيرًا ، لولا صغر سنك “.
فرد عليه الفتى قائلًا :” ” أو يعدم الفضل من رزق العقل ؟ ” ، فقال له الأمير سائلًا : ” أ تصلح لذلك وأنت ما زلت فتى صغير السن ؟ ” ، فرد عليه الفتى : ” فقط يعرف الإنسان نفسه ، عندما يرغب في شيء ، وعند الامتحان يهان المرء أو يكرم ” ، عندها لم يتردد الأمير ، وأصدر الأمر بتعيين الفتى الصغير ، ذي البلاغة ، والفطنة ، وزيرًا له .