هو القاضي أبو وائلة ، بن معاوية ، بن قرة ، بن إياس المزني ، وكان فصيحًا ، بليغًا ، ذكيًا ، فطينًا ، كثيرًا ما يؤخذ برأيه ، ويوثق في حكمته ، ودهائه ، كان يتسم بصدقه ، غير المحدود ، ورجاحة عقله ، وحسن ظنه ، وكانت تضرب به العديد من الأمثال في الذكاء ، الذي لا يضاهيه فيه أحد ، من رجال عصره
وقد قصد الحريري في قوله ، في إحدى المقامات الخاصة به ، إذ قال فيها : ” فإذا أمعيتي ألمعية ابن عباس ، وفراستي فراسة إياس ” ، فالمقصود هنا من فراسة إياس ، هو القاضي إياس المزني ، وقد تولى إياس قاضي بلاد البصرة ، بتكليف من قبل أمير المؤمنين ، عمر بن عبد العزيز ، وقد سئل والد القاضي إياس ، وهو معاوية بن قرة ، عن حال ولده إياس ، وكيفيته ، فرد بفخر ، بأنه نعم الولد حقًا ، وأنه يكفيه من أمور الدنيا ، وما فيها ، بالإضافة إلى أنه قد أفرغه إلى آخرته .
كان القاضي إياس من ضمن أبرز أفاضل الناس في عصره ، وأكثر العقلاء الدهاة بين كافة الناس ، الذين عاصروه ، ومن الحكايات ، التي توضح مدى فطنته ، وذكائه الفذ ، أنه فييوم من الأيام ، كان موجود في موضع ، فتكلم فيه ذلك الموضع ، ما ألزم الخوف ، والرهبة الشديدة ، وكان يوجد ثلاثة من النساء ، لا معرفة له بهن ، فإذ به قد قال : ” إن هذه المرأة يجب أن تصبح حاملًا ، أما تلك فيجب أن تكون مرضعةً ، وأما الثالثة ، فإنها عذراء ” ، وكان ذلك مجرد تخمين ، ولكنه قد أصاب فيما قاله ، فكان له من الفراسة موضع هائل .
فلما سئل عن كيفية التوصل إلى معلومات دقيقة ، مثل التي أفصح عنها ، فرد قائلًا : ” عندما يحل الخوف ، والرهبة ، فإن الإنسان لا يضع يديه ، إلا على أكثر ما يخشى عليه ، وقد لاحظت وقت الخوف ، أن المرأة الأولى وضعت يديها على بطنها ، مما يدل على خوفها على رضيعها ، أما المرأة الأخرى ، فقد وضعت يديها على ثديها ، أما الثالثة ، وهي العذراء ، فما كان منها ، إلا أنها قد وضعت يديها على فرجها ، مما استدللت به ، من أنها بكر .
وفي مرة من المرات ، سمع القاضي إياس أحد اليهود ، وهو يقول : ” ما أحمق المسلمين ! فإنهم دائمًا يظنون أن من يدخلون الجنة ، لا يحدثون أبدًا ، مهما كان ما يأكلون ” ، فرد إياس عليه قائلًا : ” وهل أنت كلما أكلت شيئًا ، حدثت عنه ؟ ” ، فرد قائلًا : ” بالطبع لا ، حيث أن الله سبحانه وتعالى ، قد جعله غذاء ” ، فرد عليه قائلًا : ” فإذا كان الأمر كذلك ، كيف لك أن تنكر ، بأن رب العباد ، يجعل إلى من يدخلون الجنة أكلًا ، هو في أصله ، غذاء لهم ؟ ” .
وهكذا ، فقد وردت العديد من القصص ، والحكايات الطريفة ، والممتعة في آن واحد ، والتي تكشف عن ذكاء غير معود لدى القاضي إياس ، وفراسته ، التي كانت سببًا رئيسيًا، في تعجب ، وانبهار العديد من القوم ، الذين أذهلهم ما كشف عنه في كثير من المواضع ، وما وافقته من حسن ظنونه ، وتوقعاته ، التي لا يجدر لها أن تخيب .