في قديم الزمان ، في عهد دولة الموحدين ، كان سلطان البلاد في ذلك الوقت ، هو السلطان العظيم يعقوب المنصور ، المنتسب إلى الموحدين ، إذ كانت له السلطة في ذلك الوقت على بلاد المغرب العربي ، وبين رغبات السلطان المتتابعة في تطوير بلاد المغرب ، كان يتمنى لو أن يبني مسجدًا عريقًا ، على طراز من الفخامة العالية ، والعبق ، الذي لم يسبق إليه أحد .
وبعد تفكير طويل ، وقع اختيار السلطان على أن يشيد المسجد في مدينة الرباط ، وهي عاصمة بلاد المغرب ، وبالفعل ، بعد تفكير عميق ، وتدبير حكيم ، ومناقشات واعية ، جاء الأمر من السلطان بتشييد المجد في نفس المكان ، الذي وقع عليه اختياره في بادئ الأمر ، وكان ذلك في عام 593 من هجرة الحبيب المصطفى ، صلى الله عليه ، وسلم ، وبالفعل بدأ السلطان بإعطاء الأوامر بتنفيذ المسجد ، الذي وضع له صورة في مخيلته ، ولم يتنازل عن أفكاره البديعة في إنشاء المسجد .
حيث صمم المسجد على طراز رفيع ، وكان هذا المسجد على رقعة واسعة ، وكبيرة للغاية ، إذ كان بمثابة أكبر المساجد ، الموجودة في تلك الفترة جميعها ، وأمر ببناء صومعة للمسجد ، وتم الاختيار على أساس المكان الأكثر تحملًا للصومعة الثقيلة ، وحرص السلطان على أن تكون الصومعة ضخمة ، ومتسعة ، وقام بتشييدها على شكل مربع ضخم ، يمكن المرور خلاله بمنتهى السهولة ، كما كان لذلك دور أسمى في سهولة مرور الأحمال ، والأثقال ، ومواد البناء على الدواب .
كانت تلك الصومعة تبلغ من الارتفاع 44 مترًا ، وكانت تتضمن درجات ، تتسم بالالتواء ، كما وتجلت مظاهر الزخارف الأندلسية ، والطراز الأندلسي العريق ، والنقوشات الدقيقة على جدران المسجد ، فكان كل شبر ، وكل ركن في المسجد ، قد نشأ على أسمى ، وأروع مظاهر الزينة ، غير المسبوقة من قبل .
وبالفعل تم الانتهاء من بناء المسجد على أتم صورة ، وأفضل شكل ، كما كان يتمناه السلطان ، بل وأكثر من ذلك بكثير ، وكان وجهة مبتكرة ، حيث كان حديث القاصي ، والداني ، الكل يتمنى لو أنه تسنح إليه الفرصة ، ليشاهد هذا الجمال المتفاني ، والطراز غير المعهود في أي من المساجد الأخرى ، ولكن ! حدثت الفجيعة ، التي حزن لأجلها المسلمون جميعًا ، فترى ماذا حدث ؟
الحق أنه بعد الوصول إلى تلك الدرجة من الازدهار في إنشاء المسجد آنذاك ، إلا أن المسجد قد تعرض بعدها إلى الدمار الشامل ، واندثار جميع أجزائه ، ومكوناته ، وكان ذلك في عام 1755 من الميلاد ، وكان ذلك إثر ضرب الزلزال ، في مدينة الرباط ، في بلاد المغرب .
وأصبح لا يتبقى من المسجد إلا أطلال ، تحمل بين طياتها دلالات واضحة المعالم ، على ذلك الصرح التاريخي ، المتفاني في إطاره ، وطرازه ، فكان من الضخمة ، والاتساع بمكان كبير للغاية ، هذا بالإضافة إلى روعة الابتكار ، وارتفاعه الشاهق عن سطح الأرض ، كما شهد له أن كان من أكثر المساجد في بلاد المغرب ، وفي العالم أسره آنذاك ، يتسم برقيه غير المشهود ، وفخامته الجليلة ، والعراقة في التصميم ، والإنشاء ، نسأل الله جل وعلا ، أن تبهر أنظارنا بمساجد تسر لها أعيننا ، وأفئدتنا إلى يوم الدين .