كانت وفاة بينيتو موسوليني الديكتاتور الفاشي الإيطالي في 28 أبريل 1945م مروعة مثل حياته العنيفة تمامًا ، فعندما تم إعدام الحاكم المستبد لإيطاليا بعد هزيمته في الحرب العالمية الثانية كانت تلك البداية فقط ، فقد تجمعت الحشود الغاضبة حول جثته وقاموا بالبصق عليها ورجمها بالحجارة وضربها قبل أن يتم دفنه ، وقد لا يستطيع البعض فهم سبب تلك الوحشية تجاه جثة رجل متوفي ، ولكن لم يزول العجب إذا عرنا أن حياة موسوليني كانت مليئة بالعنف والوحشية ، وأن ما حدث له كان نهاية طبيعية لأفعاله .
ولد موسوليني في 29 يوليو 1883م ، في دوفيا دي برايدابيو ، وكان طفلًا ذكيًا وفضوليًا ، ومن الغريب أنه في بداية حياته كان معلمًا ولكنه سرعان ما قرر أن تلك المهنة ليست مهنته ، ومع ذلك فإنه كان قاريء جيد لكتب الفلاسفة الأوروبيين الكبار مثل إيمانويل كنت وكارل ماركس وفريدريش نيتشه .
وفي العشرينيات من عمره كان يدير سلسلة من الصحف تروج لآرائه السياسية المتطرفة بشكل كبير ، وكان يدعو للعنف كوسيلة للتغيير وخاصة فيما يخص بشئون العمال والنقابات العمالية ، وقد قبض عليه وسجن عدة مرات بسبب تشجيعه على العنف ودعمه لإضرابات العمال العنيفة في سويسرا عام 1903م ، وكانت آراؤه متطرفه للغاية حتى أن الحزب الاشتراكي اضطر لطرده وإجباره على الاستقالة من منصبه في الجريدة .
ومع بداية الحرب العالمية الأولى وفي أواخر عام 1914م أسس صحيفة خاصة به تسمى “شعب إيطاليا” وقام فيها بنشر فلسفته السياسية الرئيسية والتي تتركز حول القومية والعسكرية والتطرف العنيف وهذه الفلسفة التي حركت حياته بأكملها.
وفي عام 1921م وبعد أن خدم في الجيش كقناص خلال الحرب العالمية الأولى قرر تأسيس حزبه الفاشي والذي جذب عدد كبير من المؤيدين والذين كونوا مليشيات تشبه الفرق العسكرية وكانوا يرتدون ملابس سوداء وأطلق موسوليني على نفسه اسم الدوتشي ، وقد اشتهر موسوليني بخطاباته النارية التي تحرض عل العنف مما دفع أصحاب “البزات السوداء ” للتجمع في جميع أنحاء إيطاليا وإشعال النيران في المباني الحكومية مما أدى لقتل عدد كبير من معارضي الحزب يصل إلى المئات .
كما دعا موسوليني لإضراب العمال عام 1922م والقيام بمسيرة في روما ، وقد دخل بالفعل 30 ألف جندي فاشي إلى العاصمة روما مطالبين بالثورة ، ولم يكن أمام حاكم إيطاليا سوى التخلي عن الحكم لصالح الفاشيين ، وفي 29 أكتوبر 1922م عين الملك “فيكتور إيمانويل الثالث ” موسوليني في منصب رئيس الوزراء ، وكان أصغر من يشغل هذا المنصب ، وازداد جمهوره الذي يرحب بنظرته السياسية ورؤيته للعالم أكثر من أي وقت مضى .
وطوال عشرينيات القرن العشرين أعاد موسوليني تشكيل إيطاليا وفي الثلاثينيات بدأ يبحث على تأكيد قوته خارج حدود إيطاليا ، وفي عام 1935م غزت قواته إثيوبيا وأعلنتها مستعمرة إيطالية ، ويرى بعض المؤرخين أن تلك الخطوة هي بداية الحرب العالمية الثانية ، وبعد أن غزا هتلر فرنسا لم يتمكن موسوليني من مشاهدة هتلر فقط فأعلن الحرب على كل أعداء ألمانيا .
ولكن مما لاشك فيه أن الجيش الألماني كان أفضل وأكثر تجهيزًامن الجيش الألماني وسرعان ما بدأ الدوتشي يدرك ذلك ، ومع ذلك فإنه من اجل إرضاء هتلر لم يكتف فقط بخطاباته النارية الرنانة ، ولكنه شارك بجيشه في غزو اليونان وألبانيا ، ولم يلتفت موسوليني إلى أن الشعب الإيطالي يتضور جوعًا ويعاني من قلة العمل وأن هذا جعل حركات التمرد تنمو وتزداد ، وفي عام 1941م كان الشعب التمرد العسكري على وشك الإطاحة بموسوليني لولا تدخ هتلر ومساعدته .
ومع تدهور الظروف الداخلية في إيطاليا قام الملك بإقالة موسوليني من منصبه عام 1943م وكان الحلفاء قد استطاعوا هزيمة الجيش الأيطالي في شمال أفريقيا وصقلية وكانوا على وشك غزو إيطاليا نفسها ، فقامت القوات الموالية للملك باعتقال موسوليني وسجنه في فندق بعد في جبال أبروتسي .
لكن هتلر لم يرضع عن سجن حليفه فأرسل قوات الكوماندوز الإيطالية بالطائرات الشراعية على جانبي الجبل خلف الفندق وأطلقوا سراح موسوليني ونقلوه جوًا إلى ميونخ للتشاور مع هتلر والذي أقنعه بإقامة دولة فاشية في شمال إيطاليا وبتلك الطريقة استطاع الدوتشي أن يحتفظ بالسلطة بينما حافظ هتلر على حليفه .
وبذلك عاد موسوليني منتصرًا واستمر في قمع المعارضة وقام أعضاء الحزب الفاشي بتعذيب أي شخص يلمح بآراء مخالفة للحزب كما قاموا بترحيل أي شخص يحمل اسم غير إيطالي ومارسوا قبضة حديدية على مدن الشمال وعملت القمصان السوداء للحفاظ على السلطة .
وقد وصل عهد الإرهاب لذروته عندما تم جمع 15 شخص من المعارضين للحزب الفاشي في ساحة بياتزال لوريتو في ميلانو وبينما كانت قوات الأمن الخاصة الألمانية متواجدة في الميدان قام رجال موسوليني بفتح النار عليهم وقتلوهم في أغسطس 1944م ، وقد أطلق على هذا الميدان اسم “ميدان الشهداء الخمسة عشر ” .
وبحلول ربيع 1945م كانت الحرب قد انتهت وانتهت معها إيطاليا أيضًا التي أصبحت خراب وتقدمت قوات الحلفاء في جنتوبها وكان القبض على موسوليني في ذلك الوقت ليس فكرة جيدة ، حيث لم يكن هتلر قد استسلم بعد ولكنه كان محاط بجنود الحلفاء الذين دخلوا برلين بالفعل ، وكانت الهزيمة وشيكة .
وهذا جعل موسوليني يوافق على لقاء مناهضي الفاشية في أبريل 1945م بقصر ميلان بعد أن علم أن ألمانيا تتفاوض على الاستسلام ، وبعد ذلك قرر الفرار اصطحب موسوليني عشيقته كلارا بيتاتشي وفر مع قافلة ألمانية متجهة إلى الحدود السويسرية حيث اعتقد أنه يمكن أن يعيش هناك .
وقد حاول موسوليني أن يرتدي خوذة ومعطف نازي للتخفي ومع ذلك تم التعرف عليه على الفور نظرًا لأنه كان يعشق نشر صوره للدعاية لنفسه في جميع أنحاء إيطاليا على مدار خمسة وعشرين عامًا ، وقام المتمردين بنقله إلى مزرعة نائية ، وفي صباح اليوم التالي أمر الثوار موسوليني وعشيقته بالوقوف أمام جدار من الطوب بالقرب من مدخل فيلا بيلمونتي بالقرب من بحيرة كومو الإيطالية وأطلقوا النار عليهما .
كما تم جمع 15 من رجال الحزب الفاشي وتم قتلهم ، وفي الليلة التالية وصلت شاحنة إلى “ميدان الشهداء الخمسة عشر ” وهي تحمل جثة 18 شخص منهم موسوليني وعشيقته وقامت بإلقائهم أمام الحشود الغاضبة التي صبت كل غضبها على الجثث .
وبعد أن وصلت القوات الأمريكية إلى ميلانو قامت بحمل جثامين موسوليني وعشيقته بعد أن قضى يوم كامل وسط الحشود ، وتم نقلهما إلى مشرحة ميلانو ثم تم دفنهما في مقبر غير معلمة بميلانو .