أخرج ابن عساكر في كتابه بسند متصل عن ابن الأعرابي أنه قال : بلغني أنه كان هنالك رجل من بني حنيفة يقال له جحدر بن مالك كان شجاعًا قد أغار على أهل حجر وناحيتها وبلغ ذلك الحجاج بن يوسف الثقفي فكتب لعامليه في اليمامة يوبخه على تلاعب جحدر به وأمره بالاجتهاد في طلبه .
فلما وصل إليه الكتاب أرسل إلى فتيه من بني يربوع فجعل جعل عظيم إن قتلوا جحدر أو أتوا به أسيرًا فانطلقوا حتى كانوا قربين منه فأرسلوا إليه أنهم يريدون الانقطاع إليه والتحرز به ، فاطمئن إليهم فلما اقتربوا منه قيدوا وقدموا به على العامل ، فتوجه بيه معهم إلى الحجاح فلما أدخل على الحجاج قال من أنت فقال له أن حجدر ابن مالك ، فقال له الحجاج ما حملك على ما كان منك فقال جرئة الجنان وجفاء السلطان وكلب الزمان فقال له وما الذي بلغ منك فجرؤ جنانك فقال لو بلاني الأمير أكرمه الله لاختبرني لوجدني من صالح الأعوان وأشجع الفرسان ولوجدني من أنصح رعيته وذلك لأنني ما لقيت فارس إلا وكنت عليه في نفسي مقتدرًا .
إن قاذفون به في مكان به أسد جائع فإن هو قتلك كفانا مؤنتك وإن أنت قتلته خلينا سبيلك ، فقال له أصلح الله الأمير عظمت المنة وقويت المحنة ، فقال الحجاج فإن لسنا تاركينك لتقاتله إلا وأنت مكبل بالحديد فأمر الحجاج فربطت يمنه في عنقه وأرسل إلى السجن فقال جحدر لبعض من يجرح لليمامة تحمل عني شعرًا وقال :
تأوبني فبت لها كبيعاً … همومٌ لا تفارقني حواني
هي العواد لا عواد قومي … أطلن عيادتي في ذا المكان
إذا ما قلت قد أجلين عني … ثني ريعانهن علي ثاني
وكان مقر منزلهن قلبي … فقد أنفهنه فالقلب آني
أليس الله يعلم أن قلبي … يحبك أيها البرق اليماني
وأهوى أن أعيد إليك طرفي … على عدواء من شغلٍ وشان
نظرت وناقتاي على تعادٍ … مطاوعتا الأزمة ترحلان
إلى ناريهما وهما قريبٌ … تشوقان المحب وتوقدان
وهيجني بلحنٍ أعجميً … على غصنين من غربٍ وبان
فكان البان أن بانت سليمى … وفي الغرب اغترابٌ غير داني
أليس الليل يجمع أم عمرو … وإيانا فذاك بنا تداني
بلى وترى الهلال كما أراه … ويعلوها النهار كما علاني
فما بين التفرق غير سبعٍ … بقين من المحرم أو ثمان
فيا أخوي من جشم بن سعدٍ … أقلا اللوم إن لم تنفعاني
إذا جاوزتما سعفات حجرٍ … وأودية اليمامة فانعياني
إلى قومٍ إذا سمعوا بنعيٍ … بكى شبانهم وبكى الغواني
وقولا جحدرٌ أمسى رهيناً … يحاذر وقع مصقولٍ يماني
يحاذر صولة الحجاج ظلماً … وما الحجاج ظلاماً لجاني
ألم ترني غذيت أخا حروبٍ … إذا لم أجن كنت مجن جاني
فإن أهلك فرب فتى سيبكي … علي مهذب رخص البنان
ولم أك قد قضيت ديون نفسي … ولا حق المهند والسنان
وكتب الحجاج إلى عامله أن يوجه إليه بأسد قوي ، فأرسل به فلما ورد الأسد على الحجاج ، تم تجويعه لمدة ثلاثة أيام وأرسل إلى جحدر فأتي به من السجن ويديه مغلولة لعنقه وأعطي سيفًا فلما نظر للأسد أقبل عليه نحوه فوثب الأسد فتلاقه جحدر بالسيف فضربه ضربه فخر الأسد كأنخ خيمة قد سرعها الريح وسقط جحدر على ظهره ، فكبر الحجاج والناس جميعًا وأكرمه وأحسن جائزته .