في ذروة أزمة الصواريخ الكوبية ، كان أمام قائد الغواصات السوفيتي فاسيلي اركيبوف القدرة على الاختيار بين قيام الحرب العالمية الثالثة أو عدم قيامها ، ولكنه في النهاية اختار السلام .
بدأت أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962م وبدا وقتها أن الوللايات والمتحدة والاتحاد السوفيتي على شفا الدخول في حرب نووية مدمرة ، وكان العالم كله ينتظر بشغف ، ولكن تلك الفكرة انتهت وعاد الاطمئنان للعالم بعد أن اختار ضابط البحرية السوفيتي الاحتفاظ بهدوءه وتجنب الهلاك النووي ، وبالتأكيد معظم الناس لا يعرفون اسم فاسيلي أركيبوف حتى بالرغم من أنه أنقذ العالم .
بدأت الأزمة فييوم 14 أكتوبر عام 1962م عندما لاحظت أحد طائرات التجسس الأمريكية أن الاتحاد السوفيتي يقوم بإنشاء مواقع للصواريخ في كوبا التي تبعد 90 ميلًا فقط عن البر الرئيسي للولايات المتحدة ، وهذا يعني أن تلك الصواريخ سوف تتمكن من ضرب معظم شرق الولايات المتحدة في غضون دقائق .
كانت الولايات المتحدة قد نشرت صواريخ نووية في تركيا وإيطاليا وبعض الدول المتاخمة للاتحاد السوفيتي ، وكان الكوبيين الشيوعيين يحاولون منع الولايات المتحدة من غزو أراضيهم مثلما حدث في المحاولة الفاشلة لغزو كوبا في أبريل 1961م .
لذلك اتفق الاتحاد السوفيتي مع فيديل كاسترو سرًا لنشر صواريخ على الجزيرة لدعم قوتها العسكرية النووية ضد الولايات المتحدة ، وبالفعل أصبحت الولايات المتحدة تحت التهديد ، فقرر الرئيس كنيدي عدم شن هجوم مباشر ضد كوبا ، ولكنهم اختصار أن يفرض حصار على الجزيرة لمنع وصول السفن السوفيتية إليها ، وهذا ما تم إعلانه في 22 أكتوبر ، وتم تقديم إنذار للسوفييت لإزالة هذه الصواريخ .
وبعد مجموعة من المفاوضات المتوترة بين القوتين العظمتين تم التواصل لاتفاق لإنهاء النزاع في 18 أكتوبر ، حيث وافق الأمريكيين على إزالة صواريخهم من تركيا ، وفي المقابل يزيل السوفييت صواريخهم من كوبا ، وبالطبع كانت تلك المفاوضات تتم في الغرف المغلقة ، ولكن على صعيد آخر كان هناك وضع خطر أخر يدور تحت الماء في منطقة الكاريبي .
كانت الغواصة السوفيتية B-59 قد طلب منها أن تستقر في البحر الكاريبي بالقرب من منطقة الحصار التي فرضتها الولايات المتحدة ، وكان فاسيلي أركيبوف البالغ 34 عامًا أحد القادة الثلاثة الموجودين على متن الغواصة ، وقد اضطر قادة الغواصة للنزول على عمق كبير داخل المحيط بعد أن رصدتها الغواصات الأمريكية ،وبذلك أصبحت غير مرصودة من البحرية الأمريكية ،وفي نفس الوقت انقطع كل الاتصال بينها وبين القادة على السطح .
وحاول الأمريكين قذف صواريخ غير مميتة في قاع البحر الكاريبي على أمل إجبار الغواصة السوفيتية على الارتفاع فيتم رصدها ، ولكن ما لم يعرفه الأمريكيين وقتها أن الغواصة كانت تحمل طوربيد نووي ، وأن القادة تلقوا أوامر بضرب باستخدام الطوربيد على الفور إذا تعرضوا لأي هجوم بدون انتظار أوامر من القيادة العليا .
بعد انقطاع الاتصال بين الغواصة والعالم الخارجي لم يكن قادة الغواصة يعرفون أي شيء عما يدور في العالم الخارجي ، وفي نفس الوقت بدأت الغواصة تتعرض لهجوم لصواريخ التي تلقيها الغواصة الأمريكية ، وبدأ طاقم الغواصة الروسية يشعر بالذعر بسبب حدوث خلل في مكيفات الهواء بالغواصة بسبب الصواريخ الأمريكية .
عندا بدأت الغواصة تهتز عدة مرات ، قرر أحد القباطنة وهو فالنتين سافيتسكي استخدام الطوربيد النووي والذي كانت قوته تعادل تقريبًا القنبلة التي ألقيت على هيروشيما ، وقال فالنتين حينها : ” سنموت لكننا سنفجرهم جميعًا ” ، ولكن فالنتين كان يحتاج لموافقة القائدين الآخرين فوافق القائد الثاني إيف مالسينيكوف على الضرب أما فاسيلي فقال لا .
فقد كان مقتنعًا أن هجمات الأمريكان هدفها هو جعل الغواصة تعلو حتى يستطيعوا رصدها ولم يكن هدفهم تدمير الغواصة السوفيتية ، وقد أقنع زملاؤه بذلك ، ويتفق المؤرخون على أن الغواصة السوفيتية لو كانت استخدمت هذا الطوربيد -الذي لم يعلم الأمريكيين بوجوده حينها – لكانت الحرب العالمية الثالثة قد اندلعت ولكنها ستكون حربًا نووية قد تدمر البشرية .
ظل فاسيلي في البحرية حتى الثمانينات وتوفي عام 1998م عن عمر 72 عامًا ، ومع ذلك لم يعرف أحد ما حدث داخل الغواصة حتى عام 2002م عندما كشف الضابط السوفيتي السابق فاديم أورلفوف الذي كان على متن الغواصة عما حدث في ذلك اليوم قبل أربعين عامًا .