قصة قصيرة عن الرفق واللين في قديم الزمان، كان هناك رجل يعيش في بغداد يدعى عبد الله. بعد زواجه بأشهر قليلة، رزق الله عبد الله بطفل جميل، وكانت الفرحة تغمره وزوجته. كان الأب يقضي أوقاتًا طويلة مع طفله، يلعب معه ويقص عليه القصص الجميلة، وكان سعيدًا بحياته الأسرية.
لكن في يوم من الأيام، شاء الله أن تمرض زوجته أثناء الولادة وتشتد حالتها حتى توفيت وتركت وراءها الزوج وطفلهما الرضيع. عاش عبد الله حزنًا شديدًا على فراق زوجته، ووجد نفسه أمام مسؤولية كبيرة في رعاية طفله الصغير بمفرده. بعد تفكير عميق، قرر أن يرسل ابنه إلى خالته لتعتني به في ظل انشغاله بعمله، وكانت الخالة ترحب بالعناية بالطفل بكل محبة.
مرت الأشهر، وبدأ عبد الله يشعر بالوحدة والحاجة إلى من يسانده في تربية ابنه، فقرر الزواج مرة أخرى. تزوج عبد الله بامرأة جديدة وأخذ طفله ليعيش معهما في البيت الجديد. لكن سرعان ما اتضح أن الزوجة الجديدة لم تكن تحب الطفل، ولم تكن تهتم به كأمٍ بديلة، بل تركت كل مسؤولياته على مدبرة المنزل التي كانت منشغلة بأعمال البيت الأخرى، فكان الطفل يعاني من الإهمال.
عندما أنجبت الزوجة الجديدة طفلين، ازدادت قسوتها على الصغير، وبدأت تتجاهله تمامًا. وفي يوم من الأيام، كانت الزوجة تستعد لاستقبال ضيوفها في وليمة كبيرة، فأمرت مدبرة المنزل بالتحضير الكامل، وتركت الطفل مهملًا طوال اليوم دون طعام. عندما جاء وقت الوليمة وامتلأت المائدة بأشهى الأطعمة، اندفع الطفل المسكين نحوها ظنًا أنه سيتمكن من تناول بعض الطعام بعد يوم طويل من الجوع.
قصة قصيرة عن الرفق واللين
لكن الزوجة قاطعته بغضب، أعطته قليلًا من الأرز في طبق صغير وأمرته بالخروج إلى فناء المنزل ليتناول طعامه بعيدًا عن الضيوف. جلس الطفل في الفناء وحده، في برد الشتاء القارص، تناول نصف الطبق فقط، ثم غلبه النوم وهو يشعر بالجوع والبرد الشديدين. وفي داخل المنزل، استمر الجميع في تناول طعامهم دون أن يسأل أحد عن الطفل.
عندما عاد الأب في ساعة متأخرة من الليل، سأل زوجته عن ابنه فأخبرته أنه نائم في غرفة الخادمة. اطمأن الأب وذهب لينام، لكن أثناء نومه رأى حلمًا غريبًا، إذ ظهرت له زوجته الأولى التي توفيت، وقالت له “اهتم بأمر صغيرك”. استيقظ الأب قلقًا وسأل زوجته مجددًا عن الطفل، فأكدت له أنه بخير. نام مرة أخرى، فرأى زوجته في الحلم للمرة الثانية تقول له نفس العبارة، فاستيقظ مضطربًا. في المرة الثالثة، رأى زوجته تقول له: “قُضي الأمر، لم تهتم بأمر صغيرك فجاء به الله إلى جواري”.
استيقظ الأب مذعورًا، وبدأ يبحث عن ابنه في كل مكان. وأخيرًا وجده في فناء المنزل، جسده قد ازرق من شدة البرد، وروحه قد صعدت إلى بارئها. بجانبه كان طبق الأرز، الذي لم يتناول سوى نصفه من شدة الجوع. أدرك الأب حينها حجم الإهمال الذي وقع على ابنه، وشعر بالندم الشديد.
هذه القصة تحمل في طياتها عبرة كبيرة، إذ تعلمنا أن الأطفال هم أمانة في أعناقنا، ولا يجب أن يُهملوا أو يُترَكوا عرضة للقسوة والإهمال. الحب والاهتمام هما ما يحتاجه الطفل لينمو بشكل سليم، ولا تعوضهما الأموال أو أي شيء آخر.