في يوم من الأيام ، وفي إحدى غرف مستشفى كبيرة ، كان يوجد رجلان مريضان ، قد تقدم بهما العمر ، كل منهما ينام على سريره ، وقد أنهكه المرض ، كان المريض الأول في حالة خطيرة ، مما جعل الأطباء ، يحذرونه من محاولة القيام ، أو الجلوس ، بل إن أفضل حال له ، أن يستلقي على سريره ، دون أن يتحرك .
أما المريض الآخر ، فكانت حالته صعبة ، لكنها ليست بخطورة الرجل الأول ، وكان الأطباء يسمحون له بأن يجلس لمدة ساعة واحدة فقط ، قبل غروب الشمس ، فكان يخرج فيها ليرى العالم الخارجي ، لما كان يشعر به من ضيق شديد ، أثناء وجوده في غرفة المستشفى .
ظل الرجلان معًا في غرفة واحدة ، حتى نشأت بينهما علاقة صداقة حميمة ، فلا ونيس لهما إلا بعضهما ، ولا أحد معهما في الغرفة ، فتوطدت صلتهما ببعضهما البعض ، وكانا كثيرًا ما يتسامرون معًا ، وتطول فترات حديثهم سويًا ، ولكن الرجل الأول لا يتمكن من الحركة ، والآخر يسمح له بساعة واحدة فقط ، وهنا طلب الرجل الأول ، الذي لا يستطيع الحركة ، من صديقه أن يصف له كل يوم ما يراه في الخارج .
وافق الرجل الآخر ، وكان يوميًا ، يذهب للجلوس أمام النافذة الزجاجية ، وكان يصف كل ما يراه لصديقه القعيد ، وكان يحدثه عن فرط جمال الطبيعة بالخارج ، فخارج المستشفى توجد حديقة خلابة ، مثمرة ، ويشيع الخضار في جميع أرجائها ، يزرع فيها مزيج من الزهور العطرية الرائعة ، بألوانها البهية الزاهية ، وأشجارها المثمرة من كل أنواع الثمر المحببة إلى النفس .
يا له من منظر رائع ، فالحديقة تحتوي أيضًا على بحيرة مميزة ، وجذابة ، ورائعة للغاية ، كبيرة الحجم ، مزينة بأفضل زينة ، وعلى أحدث تصميم ، يسبح فيها أنواع رائعة من أجود أنواع البط ، وألوانه ، وأشكاله الخلابة ، التي لا تجدها في أي مكان آخر ، ولهذا المنظر الجذاب ، ترى الأطفال يقدمون على البحيرة من كل حدب ، وصوب ، يلعبون ، ويمرحون ،كما يوجد رجل هناك ، يستأجر منه الأطفال ، والكبار ، مراكب مزينة الشكل ، أنيقة المنظر .
ظل الصديق هكذا فترة طويلة ، يحكي روائع ما يراه في الخارج ، وأما عن صديقه القعيد ، فكان يستأنس بذلك جيدًا ، وتتحول حياته من ضيق، إلى سعادة غامرة ، لهذه المناظر الرائعة ، التي كان يشجعه صديقه ، ليشفى سريعًا ، كي يستمتع برؤيتها ، ومن هذا اليوم ، وبدأ الرجل يتحسن في حالته يومًا بعد يوم ، يتحمل ، ويقاوم ، وعنده دافع جذاب يتمنى رؤيته ، وصديق مخلص يعينه على الحياة .
وذات يوم ، وببالغ الأسى ، توفي الصديق ، الذي كان يحكي روائع المناظر الطبيعية لصديقه ، مما ترك أثرًا سيئًا في حياة صديقه القعيد ، ولكنه في الوقت نفسه ، ظل يستأنس بحديث صديقه ، ويتذكر تشجيعه إليه كل يوم ، فعزم الرجل على التحامل على نفسه ، ليرى ما حرم من وصفه الآن ، فقد حان الوقت لرؤية هذه المناظر الخلابة ، ظل الرجل يمشي قليلًا ، قليلًا ، إلى أن وصل إلى النافذة ، لفدهش لما رآه ، فلم يجد شيئًا سوى جدار ، ومدخل المستشفى فقط .
هنا تعجب الرجل ، وسأل الممرضة ، ” هل كان صديقي يجلس هنا ؟ يبدو أنها ليست النافذة نفسها ، التي كان يجلس بصددها ” ، فأجابته الممرضة قائلةً : ” بل هي ذاتها ” ، فسألته عما به ؟ فحكى للمرضة عما كان يخبره به صديقه المتوفى ، فتعجبت الممرضة ، ودهشت لهذا الأمر ، وقالت له : ” كيف ذلك ، إن صديقك المتوفى كان رجلًا كفيفًا ، لا يرى أي شيء ” ، طرق الرجل مليًا ، وأخذ يحدث نفسه ، وغلبه البكاء ، أوهل كان يفعل كل هذا من أجلي ؟ رحمه الله بقدر ما كان يسعدني ، ويزرع في الأمل للشفاء ” .