في أحد البيوت الثرية ، كانت تعيش أسرة منى ، ولما أرادوا خادمة ، ترعى شئون البيت ، وتدبر أموره ، واحتياجاته ، عكفوا بالبحث عن خادمة أصيلة ، فما منهم إلا أنهم وجدوا خادمة مسكينة ، تدعى أمينة ، وكانت نعم الفتاة ، من خلق قويم ، وأسلوب واعٍ في التعامل ، وحكمة بالغة في الأمور ، وبالفعل جاءت أمينة ، وعاشت مع الأسرة في البيت ، تقوم بتدبير شئون البيت بأسره .
وذات يومٍ ، استيقظت منى من نومها ، تصرخ بأعلى صوت لها ، وتنادي على أمينة في فزع ، وجرأة ، غير عادية ، لما سمعتها أمينة ، جرت على الفور ، مسرعة إليها ، خشية أن يكون قد أصابها ضرر ، فلما دخلت عليها الغرفة ، سألتها عما بها ، وبكل برود ، نهرت منى أمينة ، وأمرتها بغسل ملابس المدرسة الخاصة بها ، وكيها على الفور .
تعجبت أمينة مما تقوله منى ، وقالت لها : ” وكيف ذلك يا منى ؟ ، فلم يتبق سوى ساعة واحدة فقط ، على ذهابك إلى المدرسة ، فكيف يمكنني إنجاز ذلك في هذا الوقت الوجيز ؟ علاوة على ذلك ، ستتأخرين على موعد الذهاب إلى المدرسة ” .
نهرت منى أمينة ، وقالت لها في غرور : ” لا شأن لكِ ، المهم أن تنفذي ما أمرتك به في الحال ،فقد اتسخت جميع ملابسي أمس ، وإياكِ أن تتأخري عليَّ ، فأنا أود الذهاب إلى المدرسة في الموعد المحدد ” ، فما كان من أمينة ، المغلوبة على أمرها ، إلا أنها أسرعت لتنفذ ما قالته منى في الحال ، وكان ذلك في أشد أشهر فصل الشتاء برودة ، فغسلت أمينة الملابس ، وعلى الفور ، قامت بتجفيفها ، وكي الملابس بسرعة فائقة .
وبعد الانتهاء من ذلك كله ، ذهبت إلى منى ، لتقابل ما فعلته ، بغرور ، غير مفهوم ، وتكبر غير مسبوق ، وارتدت ملابسها ، وذهبت في الحال ، ليس هذا فقط ، فقد تكررت المواقف ، التي تعرضت فيها أمينة للسب ، والنهر ، إلى آخر ذلك ، من المعاملة السيئة للغاية ، ففي يوم آخر ، أضاعت منى المغرورة ، بعضًا من أدواتها المدرسية في المدرسة ، وجاءت إلى البيت تسب أمينة ، وتصرخ عليها ، وتتهمها بافتراء أنها هي من أضاعت أدواتها المدرسية .
سمعت الأم صراخ منى ، ولما ذهبت سألت الفتاتين عما يحدث ، وكانت الأم قد لاحظت المعاملة السيئة ، التي تعاملها منى لأمينة ، وحذرتها بالكف عن ذلك أكثر من مرة ، ولكن دون جدوى ، فلما علمت الأم ما حدث من افتراء ، فنهرت الأم ابنتها ، ثم قالت لها : ” اعتذري من أمينة ” ، فردت منى : ” لن يحدث ، فما هي إلا خادمة عندنا ، كيف لي أن أعتذر لمن هي أقل مني ؟ .
نهرت الأم ابنتها ، وقالت : ” بل هي مدبرة لبيتنا ، ترعى أموره ، كي نرتاح نحن ، وبدونها سنشقى كثيرًا ” ، اعتذرت الأم لأمينة ، ثم استأنفت قائلة : ” أما أنت يا منى ، فمن هذه اللحظة ، ستقومين أنت بجميع احتياجاتك ، ومتطلباتك كلها بنفسك ، وإياك أن تطلبي من أمينة أي شيء بعد اليوم ، مفهوم ؟! ” ، وبالفعل من هذا اليوم ، ومنى تغسل ، وتكوي ، وترتب غرفتها ، وتضع لنفسها الطعام ، وتغسل الصحون لنفسها ، وندمت ندمًا شديدًا ، وتمنت لو كانت سمعت كلام أمها من قبل .