الانهيار الأسري يؤدي إلى هلاك المجتمع الذي يعتمد في بنائه على الأفراد الذين يخرجون من أسرهم شبابًا من المفترض أن يبنوا مجتمعاتهم ، ولكن حينما تغزوهم الخلافات الأسرية فإنهم ينهارون نفسيًا ويخرجون إلى مجتمعاتهم غير أسوياء ، ومن القصص المؤلمة التي حدثت في المملكة قصة تلك الأسرة التي تخلى عنها الأب لتتشرد في الشوارع دون مأوى .
أب لا يرعى أسرته :
كان الأب يلهو باستمرار حتى أوقات متأخرة من الليل مع مجموعة من البائعين الذين يفترشون الطرقات ، ولم يكن يهتم بأسرته بل إنه تجاهلهم بشكل تام ، والأدهى من ذلك أنه كان يعامل زوجته وأبنائه أسوأ معاملة ودون سبب واضح ، وذات يوم بينما كان يتسكع كعادته مع رفاقه ذهبت إليه ابنته لتطالبه بمصروفات لكي يستطيعوا أن يُكملوا حياتهم ، ولكنها تلقّت منه أقسى رد ممكن أن يحدث من أب ، حيث قام بضربها ضربًا مبرحًا حتى كاد أن يقتلها .
طرد الأسرة من المنزل :
ازداد طغيان الأب وقسوته لدرجة جعلته يقوم بطرد زوجته وأبنائه ، حيث طالبهم بالاعتماد على أنفسهم والخروج من حياته نهائيًا ، وكأنه تجرد من كل المشاعر الإنسانية ، وبالفعل مضت الزوجة مع أبنائها في طريقها المجهول الذي لا تعرف إلى أين سيحملها ، فاضطرت الأم إلى بيع ما تملكه من الحُلي كي تستطيع أن تجد سكنًا .
قامت الأم باستئجار غرفة شعبية داخل دار مخصصة لإسكان الحجاج ، وبدأت الأموال التي كانت مع الأم تتبدد يومًا بعد يوم ، حيث الإيجار والطعام والشراب ، وأصبح الموقف في منتهي الخطورة على الأم وصغارها ، حتى تعذر على الأم دفع إيجار الغرفة لمدة تجاوزت الشهرين ، وهو ما جعل صاحب الدار يطالبها بالمغادرة بأبنائها نتيجة لعدم دفعها الإيجار .
خرجت الأم بأبنائها طريدة مرة أخرى وهي لم تعد تمتلك أي شيء لتعول به أبنائها أو حتى تجد لهم مأوى يحميهم من مذلة الشارع وقسوته ، حتى وجدت نفسها طريحة الأرصفة والشوارع وهي تحتضن أبنائها كي تكون لهم المأوى بدلًا من المسكن الذي افتقدته والحياة الآمنة التي ضاعت ، لتجد أبنائها تائهين معها في دوامة الحزن والألم .
أمل جديد :
وبينما كانت الأم هكذا ضائعة بين الشوارع مع الأبناء الصغار ؛ اكتشفتهم دورية أمنية موجودين على أحد الأرصفة ، وهو ما جعل الدورية تتدخل لتسأل عن قصتهم وسر وجودهم هكذا في هذا المكان وبهذه الطريقة التي ظهروا بها وكأنهم ضائعين ، وحينما علم رجال الأمن بقصتهم قاموا على الفور بإبلاغ الجهات المختصة لمعرفة كيفية التصرف مع هذه الأسرة المُشردة .
وقد تم إبلاغ جمعية الخدمات الاجتماعية في المدينة المنورة على الفور بحالة الأم وأبنائها ، والتي تبنت حالة تلك الأسرة المعذبة ، حيث تعهدت الجمعية بأن تدفع قيمة إيجار المسكن للأسرة لمدة عام كامل لحين إيجاد الحل الأمثل لهذه الأسرة ، وذلك بعد أن تم عمل بحث اجتماعي للأسرة ووضعها في السابق ، والوقوف على كافة التفاصيل في حياتهم ، حيث أثبت البحث صدق قصة الزوجة ومعاناتها مع زوجها القاسي غليظ القلب .
وهكذا جاءت مأساة أسرة بأكملها نتيجة لثقافة ذكورية ظالمة ، حيث هناك حالة من الفهم الخاطئ لقوامة الرجل وحقوقه ، حيث أنه بذلك يهدر حقوق زوجته وأبنائه مثلما حدث في قصة الأسرة المُشردة ، والتي ستستمر معاناتها النفسية طيلة حياتهم بعد أن شعروا بالذل والمهانة والتخاذل من أب لا يعرف سوى القسوة والضياع .