هل تخيلت يومًا أن تدخل الجنة رغم كل آثامك ، هل تخيلت تركك أو ترك غير للفرائض قد يغفره الله بسبب حسنة واحدة فعلتها قبل موتك ، فأحسن الله به خاتمتك وأعادك إلى الصراط المستقيم ؟ إن الله سبحانه وتعالى واسع المغفرة كبحر لا أول له ولا أخر ، مهما نهلنا منه لن ينضب ولن يفنى وإنما يفيض بصالح عملنا وكثرة دعائنا ، وإليكم هذه القصة التي وقعت أحداثها بمكة المكرمة وسمعتها على لسان أحد الداعيات اللاتي أثق في قولهن .
ذات يوم وبينما كان أحد الرجال الصالحين نائم جاءه منادٍ في المنام ، يطلب منه أن يتصل برقم ما ويطلب فلان الفلاني ليأخذه لمكة المكرمة من أجل العمرة ، وحينما استيقظ الرجل اعتبر أن ما سمعه أضغاث أحلام فلم يلقه بالًا ، ولكن تكرر النداء في اليوم التالي فقرر الرجل أن يسأل شيخ المسجد في هذا الأمر ، فقال له الشيخ أن هذا نداء وعليه أن يلبيه إذا تكرر مرة أخرى .
وبالفعل تكرر النداء في اليوم الثالث فتمعن الرجل في الرقم وقرر تنفيذ النداء ، فقام علة الفور بالاتصال بصاحب الرقم وسأل عن فلان الفلاني ولما أجابه أنه هو ، قال له والله يا أخي لقد جائني منادٍ في المنام وطلب مني أن أخذك لأداء العمرة وأنا أود أن أنفذ ما أمرت به ، فضحك الرجل صاحب الرقم المنشود وقال له : عن أي عمرة تتحدث ! أنا يا أخي منذ زمن لم أصلي ولا صلاة .
ولكن رغم ذلك أصر الرجل الصالح على أخذ صاحب الرقم للعمرة ، وقال له هذا النداء الذي جائني أمر لا أستطيع مخالفته لذا عليك أن ترافقني ، فقال الرجل : حسنًا ولكن شريطة أن تأخذني على نفقتك وتردني إلى بيتي ثانيةً ، فوافق الرجل ومر على الرجل صاحب الرقم في الرياض باليوم التالي كي يأخذه لأداء العمرة بمكة المكرمة ، ولما رأى الرجل الصالح صاحب الرقم تعجب كثيرًا فلم يكن يبدو على وجهه أي سمة من سمات الصلاح .
بل على العكس كان أشعث وأغبر وأغلب الظن أنه كان سكير ، فاخذ الرجل يضرب كفًا على كف كيف يأتيه نداء في المنام لمدة ثلاثة أيام متتالية من أجل رجل بتلك الحالة ! ولكنه رغم ذلك أخذه كي يغتسل ويلبس ملابس الإحرام التي جلبها له من أجل أن يذهبا سويًا إلى مكة ، وبالفعل كتبها الله لهم فقد اعتمر الرجلان معًا وبعدما أنهوا المناسك وقصوا شعورهم قرروا العودة .
وقبل أن يغادروا مكة إلى الرياض طلب صاحب الرقم من رفيقه أن يصلي ركعتين بالبيت الحرام لأنه لا يضمن عودته إليه ثانية ، وبينما كان الرجل يصلي أطال في سجوده ولما نهزه رفيقه سقط على الأرض ، فاكتشف أنه مات وهو ساجد فأخذ الرجل يبكي من حسن خاتمة رفيقه ، فالمرء يحشر على أخر شيء كان عليه ، فيا لها من ميتةٍ حسنة وخاتمة أحسن لقد غسلوه بماء زمزم ، وصلوا عليه بالحرم .
ثم أخذوه بعد ذلك إلى أهله بالرياض وأبلغوهم فأقاموا له العزاء ، وبعد مرور ثلاثة أيام اتصل الرجل الصالح على أهل المتوفي وطلب أن يكلم زوجته ولما ردت عليه سألها ماذا كان يفعل زوجها حتى يجد مثل هذه الخاتمة الحسنة ، فقالت الزوجة : والله يا أخي لقد انقطع زوجي عن الصلاة والصوم منذ فترة طويلة ، ولم يكن يرافقه سوى زجاجة خمر يحملها بيده .
كانت هي رفيقه الوحيد وأنا حقًا لا أذكر له من المحاسن سوى شيء وحيد ، فقد كان لنا جارة أرملة توفى عنها زوجها منذ فترة ، وتركها وحدها ترعى أطفالها وكانت امرأة فقيرة فكان زوجي كل ليلة يشتري لنا عشاء ويشتري لها ولأطفالها مثله ، ثم يمر على بيتها ويضعه أمام الباب ويقول لها خذي طعامك ، فكانت تدعي له دومًا قائلة : روح الله يحسن خاتمتك ، فسبحان مجيب الدعوات .