قصة العقيد قصة واقعية عندما يقتص الله من الظالم”
في فترة الاحتلال الفرنسي للبنان، كانت هناك قصص من القسوة والظلم تروى بألم وحسرة. ومن بين تلك القصص، تأتي حكاية العقيد الذي عاش ليواجه عذابات ما صنعته يداه. إنها قصة مليئة بالعبر والمواعظ، تحكي عن رجل عاش حياته في تعذيب الآخرين، لينتهي به المطاف تحت وطأة عذاب مستمر لا يرحم.
البداية: دخول المستشفى
في صيف عام 1972، كنت مضطرًا لدخول أحد المستشفيات في بيروت بسبب ظروف صحية. ورغم حرصي على إبقاء الأمر سرًا، إلا أن الأخبار السيئة تنتشر بسرعة. أثناء إقامتي، تعرفت على بعض المرضى، وكان بينهم رجل غريب الأطوار يُلقب بـ”العقيد” أو كما كان يسمي نفسه “الكولونيل”. كانت غرفته تعج بالضجيج ليلاً بسبب صرخاته المستمرة وجرسه الذي لا يكف عن الرنين.
العقيد وأمراضه المتعددة
كان العقيد رجلًا طاعنًا في السن، مريضًا بضغط الدم، السكر، تصلب الشرايين، وفشل الكبد والكلى، فضلاً عن آلام مزمنة جعلته لا ينام الليل. رغم كل تلك الأمراض، كان ذاكرته حاضرة وعقله متيقظًا، وكأن الله أراد أن يبقى لسانه وقلبه شاهدين على ما ارتكب في حياته.
اعترافات العقيد: سجلٌ من الظلم
ذات يوم زرت العقيد في غرفته، وحين رآني، انهمرت دموعه وبدأ بسرد قصته. قال إنه كان يعمل كضابط في الشرطة المحلية أثناء الاحتلال الفرنسي، وكان يحمل رتبة “كولونيل”. خلال تلك الفترة، كان الفرنسيون يعتمدون عليه في قمع المظاهرات واستجواب المتهمين.
بصوت متقطع، قال:
“كنت لا أرحم أحدًا، وكنت أمارس 84 نوعًا مختلفًا من التعذيب. أجبرت الأبرياء على الاعتراف بجرائم لم يرتكبوها، وألقيت بالصالحين خلف القضبان لإرضاء أسيادي الفرنسيين. كنت أداة في يد الظلم”.
العقاب الإلهي
رحل الفرنسيون عن لبنان، وتركوا العقيد وراءهم ليواجه ما اقترفت يداه. بدأ يعاني من الأمراض التي تساقطت عليه كما كانت تسقط أعضاء ضحاياه أثناء تعذيبهم. قال وهو يختنق بالكلمات:
“ما أعانيه الآن هو عذاب الله. أعيش كل ليلة كما عاش ضحاياي لياليهم المظلمة. أبنائي يكرهونني، زوجتي تمنت موتي، وحتى جيراني لا يحبونني”.
الليل والعذاب
كان الليل هو وقت العقيد الأكثر عذابًا. كان يصحو صارخًا، مستنجدًا بالممرضين والممرضات. أحيانًا كان يستخدم الجرس الكهربائي بلا توقف لإجبارهم على البقاء معه. كانت تلك الليالي طويلة ومؤلمة، وكأنها استكمالًا للجرائم التي ارتكبها ضد ضحاياه في ليالٍ أخرى.
النهاية والموعظة
في النهاية، كان العقيد صورة حية لعدالة الله في الدنيا قبل الآخرة. لسانه الذي أمر بالتعذيب بات يتحدث عن أفعاله القاسية، وذاكرته التي كانت وسيلته للتخطيط ضد الأبرياء أصبحت تذكره بكل ما فعل. بقيت له أعضاءه الحية شاهدة على ألمه، وعقله يعذبه بالندم.
كما قال الله تعالى:
“وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ” (سورة إبراهيم: الآية 45).
العبرة من قصة العقيد قصة واقعية
هذه القصة ليست مجرد حكاية عن الظلم والانتقام، بل هي تذكرة لنا جميعًا بأن الظلم لا يدوم، وأن الله يمهل ولا يهمل. فكما عذب العقيد ضحاياه، عاد ليذوق من نفس الكأس. عسى أن تكون هذه القصة موعظة لكل من تسول له نفسه أذية الآخرين، بأن لكل ظالم يومًا يلقى فيه جزاءه.