ما أعظم أن يحفظ الأبناء فضل الآباء ، وما أروع التضحية من أجلهم ، إنها صور من بر الوالدين التي ترسم حياةً مليئة بالتفاؤل والمودة والخير ، وهناك العديد من أشكال تلك الصور التي توضح مدى قيمة الآباء عند أبنائهم ، وفي حالة نادرة ورائعة من أشكال هذا البر قد خطفت قلوب الناس ، والتي ظهرت من خلال تبرع فتاة من المملكة لأبيها بكليتها دون أن يعلم من هو المتبرع الحقيقي .
الأب المريض :
كان الأب الذي يُدعى إسماعيل عاشور الصائغ يعاني من مرض الفشل الكلوي ، والذي طالت آلامه لمدة ثلاثة أعوام كاملة ، وكان يواصل رحلة علاجه مع أنابيب الغسيل الكلوي ، والتي زادت خلال الآونة الأخيرة إلى ثلاث جلسات في الأسبوع ، وكانت معاناته تُزيد من معاناة أهله أيضًا الذين يشعرون بمدى ألمه دون أن يستطيعوا فعل شيء سوى الاعتناء به .
سعى الأهل إلى مساعدة الأب المريض من خلال عرض حالته على الهيئات المختصة بتلك الحالات من أجل زراعة الكلى وتلقي العلاج في الصين ، حتى حصلوا على موافقة الديوان الملكي بالسفر ، ولكن التقارير تأخرت لعام كامل ، فبدأت ابنة المريض في التفكير في التبرع لوالدها بكليتها كي تنقذ حياته ، وابنته هي فتاة تُدعى ولاء وتبلغ من العمر 24 عامًا ، ولكن الأب رفض بشدة عرض ابنته ، وذلك بسبب خوفه الشديد عليها من تبعات تلك العملية .
متبرع مجهول :
أصرّت ولاء أن تفعل شيء من أجل والدها الذي يذبل يومًا بعد يوم ، وخاصةً بعد زيادة عدد جلسات غسيل الكلى ، فأخبرت والدتها بأنها تعزم على التبرع إلى والدها بكليتها دون أن يعلم ، وقد رحبّت والدتها وشقيقها بخطة ولاء التي تطابقت كافة تحاليلها مع الأب ، والتي فكرّت في ألا تخبر أبيها بأنها هي المتبرعة ، بل أخبرته بأن هناك فاعل خير يرفض ذكر اسمه يريد أن يتبرع بإحدى كليتيه ، ولذلك فإن معاناته ستنتهي خلال أسبوع .
كان الخبر بمثابة باب الحياة الذي يُفتح من جديد أمام الأب الذي لم يكن يعلم أن ابنته هي التي ستقوم بمنحه كليتها ليقاوم الفشل الكلوي ويعود إلى الحياة من جديد ، وبالفعل ذهبت الابنة مع أبيها إلى مستشفى القوات المسلحة بمدينة تبوك على أنها مرافقة له للاطمئنان عليه بعد الجراحة ، ومن ثم دخلت معه غرفة العمليات دون أن يعلم .
خضع الأب وابنته إلى عملية جراحية دامت إلى سبع ساعات كاملة ، والتي تكللت بنجاح هائل حتى استفاق الأب من آثار التخدير ليلتفت إلى الجهة اليمنى ليرى ذلك المتبرع الشهم ، فكانت المفاجأة الكبرى حينما وجد ابنته الغالية ترقد على سرير مجاور بنفس هيئته وملابسه ، نعم إنها الابنة التي أنقذت حياة أبيها دون أن يعلم .
رد الجميل :
شعر الأب لوهلة بالصدمة حينما رأى ابنته وقد فقدت إحدى كليتيها من أجله ، ولكنها أخبرته أن ما فعلته هذا ما هو إلا جزء بسيط من فضله عليها وعلى أسرتها ، كما قالت له أنه قد حان الوقت لرد جميله عليهم بهذه الطريقة البسيطة ، فأجهش الأب بالبكاء ولم يتمالك نفسه ، ولكنه رأى أن ما فعلته ابنته هو أروع درجات البر ، حيث أنها قدمّت لأبيها جزءًا من جسدها دون أن تتردد ، فكانت هي الابنة البارة وفاعل الخير والمتبرع المجهول في آن واحد .