في إحدى القرى المجاورة لمدينة الرياض وقعت أحداث تلك القصة قديمًا ، والقصة لشاب وفتاة هاما ببعضهما حبًا ولكن أبى القدر أن يجمع بينهما ، فقد كان عايش فتى رقيق الحال لا يملك مالًا ولا بعيرًا ، كل ما يملك قلب صادق ورغبة ملحة في الزواج بنوره حبيبته التي سلبت منه الفؤاد وغيرت مجرى حياته .
وكأي محب صادق عفيف توجه عايش إلى أبو نوره وطلب منه يد ابنته للزواج ، ولكن رفض الأب لرقة حال الفتى فخرج من عنده حزينًا كسيرًا ورأى نوره بالباب ، فأخبرها أن سيشق طريقه في الحياة ويعاود طلبها من جديد ، ولكن عليه أن تنتظره فوعدته بذلك ، وبالفعل ارتحل عايش من بلد لأخرى وعمل بالتجارة حتى امتلك المال والبغال .
ولما تحسنت أحواله عاد إلى قريته كي يطلب يد نوره ، ولكن للأسف وجدها تزوجت فحينما تقدم لخطبتها شخصٍ جيد أصر عليها أبيها في القبول ، وكان من عادة بنات العرب أن ينصعن لأوامر أولياءهم ، فوافقت نوره وتم الزواج ولكنها سافرت مع زوجها لأرضٍ بعيدة ولا أحد من أهل القرية يعلم مكانها ، ولما علم عايش بذلك أطلق بيت الشعر القائل : أبنشدك عن نور القمر وشلون نوره ؟
ومن وقتها جعل عايش كل همه البحث عن نوره فسافر بين القرى والبلدان ، وعندما مر على القرية الأولى دخل إلى أميرها وقال له : عندي لغز ومن يجيبني عليه سأعطيه كل حلالي ، فقال الأمير : وما اللغز ؟ فقال عايش : أبنشدك عن نور القمر وشلون نوره ؟ فأجاب أحد الجالسين : أبيض والآخر قال أصفر ولكن كانت الإجابات كلها خاطئة .
اتجه عايش للقرية الثانية ودخل أيضًا إلى أميرها ، وقال له عندي لغز من يجيبني عليه سأعطيه مالي وحلالي ، فقال الأمير وما اللغز ؟ فكرر عايش البيت على مسامع الأمير : أبنشدك عن نور القمر وشلون نوره ؟ ولكن لم يستطع أحد في تلك القرية أيضًا معرفة الجواب الصحيح ، فتركها عايش واتجه لقرية ثالثة .
وهنا كرر ما فعله في القريتين الأولى والثانية ، حيث توجه لأمير القرية وأخبره بأمر اللغز ، ولكن لم يعرف أحد من جلوس الأمير الجواب الصحيح ، فقال عايش : هل لي أن أنام عندكم الليلة وفي الصباح من يعرف الإجابة منكم يخبرني ؟ فرحب به أمير القرية وكان من بين جلسائه زوج نوره حبيبة عايش ، فلما عاد الزوج إلى بيته حكى لنوره ما حدث ، وقال لها جاء لمجلس الأمير اليوم رجل أخبل يقول عندي لغز ومن يجيبه سأعطيه كل مالي وحلالي .
فقالت له نوره : وما هو اللغز ؟ فقد أستطيع حله ، فقال لها الزوج : أبنشدك عن نور القمر وشلون نوره ؟ فابتسمت نوره وعرفت أن صاحب اللغز هو عايش ، فقالت لزوجها لقد عرفت الإجابة قل له : مثل السمك في البحر وشلون عايش ، فلما حل الصباح قام الزوج وتوجه لمجلس الأمير وهناك وجد الضيف صاحب اللغز .
فقال له : لقد عرفت الإجابة فقال عايش وما هي : فردد زوج نوره ما قالت له : مثل السمك في البحر وشلون عايش ، فابتسم عايش وقال له هذا مالي وحلالي وسلم لي على نوره ، فهكذا كان الحب النظيف العفيف لقد جاب عايش البلاد كي يطمئن على نوره فقط ولو من بعيد ، وترك لها ولزوجها ما جمعه من مالٍ وحلال ، وكأن لا فائدة لهم بعد ضياعها .