صدق من قال أن الزواج قسمة ، وأن النصيب هو من يتحكم في مجرياته ، فقد تزوجت أثناء دراستي برجل ثري ، ولكن اشترط عليه والدي أن أكمل دراستي بعد الزواج ، فقبل ورحب وهكذا انغمست في دراستي وهو في عمله ، كان زواجي به تقليديًا وكانت حياتي عادية أقضي نصف الوقت في دراستي ، ونصف الوقت عند أهلي فقد كان دائم السفر بحكم عمله .
وبعد فترة رزقني الله بطفلي الأول فشغل كثير من وقتي ، ولهذا لم ألحظ غياب زوجي المتكرر فلم أشك فيه في يوم من الأيام ، فقد كان رجل هادئ الطباع ، يلبي لي كل طلباتي ، وبسبب ظروف عمله اضطررنا للانتقال من الرياض إلى جده ، وهناك زاد غيابه بصورة كبيرة عن المنزل ، فاحترت في حاله وأخذت أعاتبه ولكنه كان دائمًا هادئ لا يناقشني .
وزاد حيرتي حين صار يغلق باب الغرفة على نفسه ، كنت أظنه في البداية نائم ولكني اكتشفت ذات مرة أنه يهاتف إحدى النساء ، ويلومها لأنها عرفته على فتاة لم تكن جميلة ، وأخذ يتوعدها ويهددها أنه لن يدفع لها ثانية إن لم تحسن الاختيار ، فوقع عليّ الكلام وقع الصاعقة ولم أتمالك نفسي وأخذت أجهش بالبكاء .
فلما سمع صوت نحيبي جاء وسألني عن السبب فواجهته بما سمعته منه ، فجن جنونه ورد عليه كالثور الهائج وهو يقول : أنا أفعل ما أشاء ، اضربي رأسك بالحائط إن أردت ، فثرت في وجهه وطلبت منه أن يعيدني إلى أهلي بالرياض ، فرفض بشده وضربني بكل قوته حتى أخذ جسمي ينزف ، ورقدت في المشفى لمدة عشرة أيام أنا وطفلي .
ولما علم أهلي بما حدث جاءوا إلى المشفى على الفور فأخبرتهم بما كان منه ، وأعربت عن رغبت يفي الانفصال ، فقال لي أبي : ستعودين معنا إلى الرياض ولن تبقي معه بعد الآن ، وبالفعل غادرت مع أسرتي وطلبت منه الطلاق ، لكنه رفض رفضًا باتًا واتهمني بالنشوز وأني لا أطيعه ولا أستجيب لرغباته ، فرجعت إليه مضطرة لأن الشرع معه .
خاصة بعد أن حكم له القاضي في الأمر ولكنه رغم ذلك ازداد في إهانته لي ، واستبد بي ضربًا حتى أنه كان يعتبرني إحدى غنمه ، التي عليها أن ترعى في أرضه دون أن تنطق بكلمة ، ضاقت بي السبل وكان كل يوم يمر أسوأ من اليوم الذي قبله ، فهو على عهده لا يتغير وأنا لم أعد أطيقه ، كرهته وكرهت نفسي وكرهت اليوم الذي تزوجته فيه .
ولكني التجأت للذي لا يرد السائلين ، كنت استغفر الله في كل ليلة وادعوه أن يفك كربي ، ويبت في أمري ، حتى جاء اليوم الذي أراد الله أن يكشف ستره ، وينصرني عليه بحوله ولا قوته ، فأثناء وجوده في المنزل مع إحداهن استطعت أن أغلق عليه الباب ، لأثبت خيانته واتصلت بالشرطة التي أتت على الفور وأثبتت الواقعة .
وحينها حكمت لي المحكمة بالانفصال عن هذا الرجل القاسي ، الذي عذبني وأهانني وجرح كرامتي واتهمني بالنشوز ، كي يذلني وقد عوضني الله خيرًا بابني فلذة كبدي ، الذي أعيش معه منتصرة فهو الآن شاب يدرس بالجامعة ، ورغم محاولات والده لاستقطابه كي يعيش معه ، إلا أنه رفض بشدة وقال له لقد عشت مع أمي وسأظل معها للنهاية ، فحمدًا لله على الابن البار الذي منحني إياه .