تنبع المعاناة الحقيقية من داخل النفس البشرية التي تمضي بمشاعر كثيرة ومتضاربة ، فليس الألم الجسدي فقط هو الذي يسبب المعاناة ، ولكن الألم النفسي قد يكون أشد بكثير ، حيث يبقى الإنسان على حافة الانعزال عن كافة البشر وعن الحياة ، فهو فقط يتنفس ولكنه لا يعيش ، وهو ما حدث في قصة الرجل الذي ظهر مكبّلًا وحيدًا في المملكة ، إنها قصة كل مريض نفسي لا يجد من يعالجه أو يساعده على مواصلة حياته مثل باقي البشر بشكل طبيعي .
رجل مكبّل :
من داخل غرفة منعزلة في إحدى قرى جازان وقف رجلًا تخطى سنه 35 عامًا وهو مكبّل الأيدي والأرجل ، وبدت صورته مؤثرة للغاية وكأنه في سجن للتعذيب البشري ، ولكن الحقيقة أنه رجل يعاني من مرض نفسي شديد ، حيث أنه قد أصيب بمرض الصرع منذ أن كان طفلًا ، فكان لا يتحكم في سلوكياته أو تحركاته ، وهو ما دفع الأهل إلى التعامل معه بتلك الطريقة المؤلمة .
كان هذا الرجل يتصرف بشكل مخيف ، حيث أنه كان يُقدم على إيذاء نفسه وإلحاق الضرر بمن حوله ، ففكر أهله في طريقة مثلى تجعله لا يؤذي نفسه أو غيره من الجيران ، فقاموا بوضعه في غرفة منعزلة ثم كبّلوه بالسلاسل ، وقد طال هذا الوضع لعدة سنوات ، حتى انتشرت صورة لهذا الرجل في ذلك الوضع اللإنساني على مواقع التواصل الاجتماعي .
لقد أساء الأهل التصرف مع ابنهم المريض ، على الرغم من عدم وجود عنف أسري معه ، لأنهم فقط كانوا يهدفون إلى إنقاذه من الهلاك ، وفيما يبدو أن هناك من تجرأ ليخبر العالم كله بأن هناك رجل مكبّل يعيش هكذا منذ أعوام طويلة في غرفة منعزلة عن العالم الخارجي ، وقد حدثت بالفعل انتفاضة بعد مشاهدة الناس لهذه الصورة المؤثرة .
الصورة المنقذة :
على الرغم من عدم معرفة الدوافع لناشر صورة الرجل المكبّل ، إلا أنها كانت بمثابة الصورة التي أنقذت صاحبها من البقاء في هذا المشهد المثير للألم ، حيث تحركت الجهات المسئولة على الفور لمعرفة حكاية صاحب الصورة ، حتى تم التأكد أنه مريض نفسي ، وقد تسببت هذه التحركات في فك قيود الرجل .
وقد تم نقل الرجل المكبّل بعد أن تحرر من قيده إلى مستشفى الصحة النفسية من أجل الوقوف على حالته ، وهناك في المستشفى أكد الأطباء أنه مريض بالفعل ويصعب السيطرة عليه ، لذا لم يتبين هناك أي شق جنائي في أمر تقييده الذي بدا غير إنسانيًا ، كما أن مرضه بدا غريبًا غير واضحًا للأطباء ، فكانت الحالة المرضية الأولى من نوعها التي تواجه الأطباء النفسيين .
وبعد أن دخل الرجل المستشفى تحولت تلك الصورة المؤلمة إلى صورة أكثر رحمة ، حيث ظهر وهو يرقد على الفراش الأبيض ليتلقى علاجه بدلًا من ذلك الوضع المهين الذي كان فيه ، ومن هنا كان لابد من لفتة انتباه إلى الأهل ، حيث أنه كان يتوجب عليهم إرسال مريضهم إلى الجهات المختصة بحالته بدلًا من أهانته بهذه الطريقة التي أدت إلى تدهور حالته الصحية والنفسية .