كأن البحر هادئا ولكن الشباب الذي يسبح فيه خائر القوى ، فهو يرفع رأسه يلقف نفسه ثم يغوص رأسه مرة أخرى ، فيمد يديه لا تجدان إلا الفراغ وتهويان مرة أخرى ، خائرتين الى المياه ويعود رأسه يشرئب في يأس ويهوى في عجز إلى الماء .
وكأنه في عالم آخر :
أنا لا أجيد السباحة ، لو حاولت أن أنقذه مت أنا وهو لا محالة ، نظرت حولي فوجدت شابًا فتيًا ، يجلس في زورق على الرمال ، ويحرك مجدافين فيمسان الرمال في رفق ، ثم يرتفعان إلى الهواء ، والفتى ماض في عمله هذا كأنما يجدف في الماء ، وكأنما يفضي إلى مكان يعرفه فان نظرت إليه خيل إليك ، أن الهدف أمامه واضح لاشك فيه ، وارتفع صوت الفتى الذي يغرق في اليم ، ارتفع في يأس يطلب النجدة ، ومزقت صرخته كل نفس ولكن الفتى في الزورق لم يلتفت اليه ، وظل يجدف وكأنه عالم آخر !
أنا أحسن سباح في العالم :
ألا ترى هذا الذي يغرق ؟ أراه وأغرقه .. أتعرفه ؟ انه أبي ، أبوك ؟! وأخي ، وأخوك ؟! وأمي ، وأمك ؟! وزوجتي، وزجتك ؟! وابني ، وابنك ؟! وابنتي ، وابنتي ؟! وكل ماضي وكل مستقبلي ، فلماذا لا تذهب إليه بالزورق ؟ هذا الزورق لا يسير في الماء ، أن الزورق لم يخلق للماء ، ولكن هذا الزورق لا يسير في الماء ، وأنت لا تستطيع أن تنقذه .. ألا تستطيع أن تعوم ؟.. أنا أحسن سباح في العالم .
الغرق والنقاش :
فلماذا لا تنقذه ؟ أنا لا أسبح إلا في الرمال .. أن الرمال لم تخلق للسباحة ، وهل خلق الماء للسباحة ؟ إن السباحة هي التي خلقت للماء ، فأنقذه ، لا أستطيع ، لماذا ؟ ، إن أحدا لم يدعني ، هأنذا أدعوك ، ومن أنت ؟ بشر ، ولكن ما شأنك؟ ، إنسان يغرق ، وهل أنت مسئول عن كل إنسان ، من الذي ألقي عليك هذه المسؤولية ؟ إنسانيتي ، مغرور ، أهذا وقت النقاش؟ انه وقت النقاش ، أبوك وأمك وزوجتك وابنتك وأخوك وماضيك ومستقبلك جميعهم يغرقون وأنت تناقش !
بدون جدوى :
أنا لا أعرف النقاش ، فأعطني هذا الزورق ، قلت لك أنه زورق للرمال فقط ، أعطنيه ولا شأن لك ، لا تستطيع الاقتراب منه ، سأحاول ، لا تحاول ، بل لابد أن أحاول ! واقتربت من الزورق ولكن شيئا جعلني أقف ، ولا أستطيع الاقتراب من الزورق ، ورحت أدفع جسمي بكل قوتي ولكن بدون جدوى ، والفتى في الزورق يجدف وكأن شيئًا لا يحدث والفتى في البحر ، يغرق ويصرخ من حين إلى آخر ولكن بدون جدوى هو الآخر .
صراخ :
أنا لا أستطيع فعلًا أن أقترب منه ، ولكنك أنت فيه فلماذا لا تنزل به إلى البحر ، لقد أجبتك ، حاول ، لا أستطيع ، ويغرق هؤلاء جميعًا ؟ أنا أفعل كل ما أستطيع أن أصنعه ، سأصرخ .. أصرخ ، لعل أحدا يسمعني ، سيسمعك الكثيرون ولكن أحدا لن يجيب صراخك ، لماذا .. ماذا يجري الناس ؟
الإنقاذ وزورق الرمال :
أن إنقاذه في يدي أنا وحدي ، فلماذا لا تنقذه ؟ أنا أفعل كل ما أستطيع ، أنت لا تفعل شيئًا ؟ هذا هو كل ما أستطيع ، أنه في البحر وأنت على الشاطئ ! هذا قدره وقدري ، الجبناء وحدهم الذين يرمون أخطاءهم على القدر ، المنطق العادي يحكم أفكارك ، وأنت هل لك منطق ؟ إنني أستخدم منطقي هنا ، وهل من منطقك يجعلك تملك الزورق ولا تنقذ به أحدا ؟ لان هذا الزورق خلق للرمال فقط !
أرح أنت ضميرك :
أهذا منطق ؟ منطق لا تعرفه ، منطق جديد ؟ منطق جديد وقديم .. لا أدرى وإنما هذا المنطق الذي أعرفه ، ويغرق في البحر ، لعله ينقذ ، كم كنت أرجو أن أكون قادرًا على إنقاذه ، وما الذي يمنعك ؟ لا أعرف السباحة ، ولا أنا على الأقل لا أجيدها ، فحاول وإذا غرقت معه ؟ تكون قد رضيت ضميرك ، وضميرك أنت ؟ لا شأن لك بضميري ، أرح أنت ضميرك!
السباحة في الرمال :
وهممت أن أنزل إلى الماء ، ولكن ثقتي أنني لا أجيد السباحة ، ردتني ونظرت إلى الفتى يغرق ، ونظرت إلى الفتى يجدف في الرمال وأوليت الجميع ظهري وانصرفت .