حينما يتولد النجاح من خضم المعاناة يكن له مذاقٌ أخر ، ومن قصص النجاح المميزة قصة البروفيسور ناجية عبد الخالق الزنبقي ، التي انتقل والدها عبد الخالق ووالدتها أمنة من محافظة رابغ منذ أكثر من 50 عامًا إلى مدينة جدة ، بحثًا عن حياة أفضل وبالفعل سكنوا بحي الرويس ، ولقد استطاع عبد الخالق بمساعدة بعض أقاربه أن يجد سكنًا بسيطًا يعيش به مع عائلته .
وحصل على وظيفة سائق لدى مصلحة التأمينات كما عملت زوجته كخياطة كي تساعده في المصاريف ، وفي تلك الفترة كان المجتمع لا يسمح بتعليم الفتيات ، ولكن عبد الخالق اتخذ قرارًا بأن تصطحب زوجته أولاده إلى منزل السيدة أمينة ، التي كانت تمتلك دور لتعليم الفتيات ( الكتاتيب) ، مقابل أن تعمل ناجية وإخوتها بمنزل السيدة أمينة في المطبخ والتنظيف وتنسيق الحديقة بمنزلها ، لأنه كان فقيرًا ولا يستطيع دفع رسوم تعليم بناته .
وبالفعل استمرت ناجية وأخواتها بالتعليم والعمل بمنزل السيدة أمينة ، ولما لم يكن مقبولًا فكرة تعليم الفتيات واجه عبد الخالق مقاطعة كبيرة من أقربائه واستنكار من جيرانه ، وحاول الجميع ثنيه عن قرار تعليم بناته ، ولكنه كان مصرًا على تعليم بناته حتى سموه في المنطقة الغريب ، لأنه كان غريبًا عن عادات وتقاليد ليست من الإسلام في شيء .
حتى أن أقربائه وجيرانه رفضوا دخول بيته ، وكان هذا أمر جلل على رجلٍ شرقي ولكن عبد الخالق كان مؤمنا بأن الخلل ليس فيه ولكن في عقول الناس ، لذلك أوصى ابنته ناجية وإخوتها بأن لا يلتفتن لأي تجريح أو إساءة تثنيهم عن مواصلة التعليم ، وطلب من ناجية أن يكون رد جميلها هو التفوق والنجاح ، وأن تتفرغ لخدمة قضية تعليم المرأة وتكون سببًا لفعل الخير بالمجتمع كله عامةً والمرأة خاصةً .
وفي عام 1960م عندما صدر قرار بتعليم الفتيات التحقت ناجية وإخوتها بأول دفعة بالمدارس الحكومية ، وتم قبول ناجية بالصف الأول بالرغم من أن سنها كان أصغر من السن القانوني ، وتفوقت ناجية بالدراسة واستمرت بتفوقها حتى أن الأمهات السعوديات والعربيات في جدة أصبحن يأتين ببناتهن لمنزل عبد الخالق ، كي تقوم ناجية بتعليم بناتهن .
واكتشف الأهالي أن بناتهن في بيت عبد الخالق أكثر أمنًا ، وأن هذا الرجل الأمين كان حريص على قضية تعليم الفتيات إلي أن تم كسر هذا الحاجز ، وأصبحت كل الفتيات يسجلن بالتعليم الحكومي بشكل تدريجي ، وتفوقت ناجية بالثانوية العامة ودخلت كلية العلوم وتفوقت بمجال الطفيليات ، وأصبحت شغوفة بهذا المجال .
وبالرغم من رغبتها في أن تصبح طبيبة ساقتها الأقدار إلى كلية العلوم ، بعد أن اكتمل العدد المخصص بكلية الطب ، وتخرجت ناجية عام 1979م وحصلت على درجة امتياز مع مرتبة الشرف ، وأكملت دراستها وحصلت على درجة الماجستير والدكتوراه ، والآن هي البروفسور ناجية عبد الخالق زنبقي التي تم تصنيفها كواحدة من أفضل عشرة باحثين على مستوي العالم .
وتقلدت مناصب منها نائبة مدير مركز النانو ورئيسة مركز الموهوبات بجامعة الملك عبد العزيز ، ولديها اكتشافات أبهرت العالم بها في خدمة البشرية ، وهي تتشارك أيضًا مع المحكمين الدوليين كخبيرة سعودية بمجالها ، كما فازت عام 2013م بجائزة عالمية بتخصصها ، ولقد أكرم الله عز وجل والدها عبد الخالق إلى أن شاهدها وهي دكتورة ، وأطلق عليه لقب أبو الدكتورة وأصبح الجميع يتباهى به .
وبهذا فقد حققت ناجية حلم والدها وتفوقت بدراستها واستمرت بأبحاثها ، وأيضًا باهتمامها بتعليم البنات كما أوصاها والدها ، فلقد فعلت كل هذا من أجل القضية التي أمنت بها هي ووالدها عبد الخالق ذو العقل المستنير ، فللعلم فضل على العقول دون فرقٍ بين ذكر وأنثي وقد صدق الشاعر حين قال :
العلم مبلغ قوم ذروة الشرف
وصاحب العلم محفوظ من التلف
يا صاحب العلم مهلا لا تدنسه بالموبقات
فما للعلم من خلف العلم يرفع بيتا لا عماد له
والجهل يهدم بيت العز والشرف