لقد سرق اللص اليوم آخر أصدقائه ، وبقى عامر وحيدًا ، عامل الكهل الذي بلغ من العمر أرذله ، ماتت زوجته منذ عشرين عاما ولم تنجب له أولادًا ، لذا بقي وحيدًا في حياته وخاصة بعد أن تم سرقة آخر أصدقاؤه .

عامر :
أهداه الله عينان قصيرتي النظر ، لكي لا يشاهد خطايا جيرانه في سرقاتهم له ، وضحكات أبنائهم ، وهم يسترقون النظر إليه لحظة تناوله الطعام ، كانت بشرة عامر سوداء على العكس من قلبه ، وعلى وجهه مرسوم خطوط وألوان تحكي مئات القصص ، وتروي حكايات الوجوه .

الخوف :
القبعة لا تبرح رأس عامر وكأس المته لا يفارق يديه ، وبعد هذا النبأ الجلل وآخر حزن له في الحياة ، أخذ عامر يهاب من كل شيء ، فعندما داعب زفيف الرياح الباب ظنها طبلة السارق وعند سماعه حفيف الأشجار ، ظنها سيمفونية السارق ، تمنى في تلك اللحظة بعد هذه المشاهد المرعبة أن ينزل القمر إلى الأرض وأن يضيء كل ظلمة .

الحذر:
أصبح حذرا من كل شيء ، ومن كل صوت ونظره الضعيف يترقب الباب خشية زيارة السارق الوحيدة ، كان يخشى من هذا الضيف الذي يبدو خفيف الظل ، إلا أنه ثقيل ، فزيارته وحيدة ونهائية .

ذكريات الطفولة والشباب:
في ليلة اشتدت فيها الرياح ، وهي تصفع النوافذ والأبواب ، والسماء تتجشأ على سطح بيته ، تذكر عامر طفولته ووالدته وهي توقظه ليتوجه إلى المدرسة ثم تقبله ، وتضع له زاده في حقيبته القماشية ، تذكر والده وهو يمسك يده مصطحبا إياه في نزهة إلى كروم العنب ، رجع بذاكرته أيام لقائه بحبيبته ، عند الوادي سرًا ، وهو شاب يمطر رجولة ، وحنّ لأيام سفره مع أهله بالقطار البخاري وهو طفل ، يأكل الطعام في القطار ويتمشى في العربة تارة ، وينظر من النافذة ، يتأمل المستقبل لم يعرف حينها أن المستقبل سيصبح حاضرًا.

سرقة الأصدقاء :
كان يحب التأمل من النافذة ، ونظرة والده الحنونة وهو يمسح على رأسه بحنان ، فسألت دمعة على خده التي اصطدمت بتضاريس الزمان ، ففكر أنه كلما نكبر نزداد وحدة ويصبح سفرنا ، في رحلة الحياة أشد وحدة ، تذكر أصدقاؤه الذين تم سرقتهم وكيف كانت آمالهم وطموحاتهم ثم تحولت لمجرد رماد ، وكلما كان يغرق في ذكرياته التي كانت تبدو له دمعة تسقط على راحته ، محاولا ارجاعه لعينيه إلا أنها تتناثر في كفه فهيهات عودتها ، كانت توقظه صفعات الرياح على الباب ، والتي تجعل عامر يقف على قدميه ، المتعبتين من هذا المساء المتعب .

فنجانين من القهوة :
قام عامر وحضر فنجانين من القهوة ، الأول له والثاني لزوجته في ضريحها ، قد دفنها في الغرفة كي لا يأخذ أحد البيت إبان وفاته وتبقى مملكتها السرمدية ، شرب الفنجان الأول ودخن معه سيجارة ، ثم سكب فنجان قهوة زوجته على قبرها كأنها شربت القهوة معه ، وبقي الفنجان دون أن يلمس شفتيها ، مؤلم أن لا يلمس فنجان القهوة الشفتين .

السارق :
نظر عامر من النافذة إلى الخارج ، ويئس من الأشجار العارية ، تشاءم وحكّ رأسه السافر إلا من عدة شعيرات ثم تحسر على أيام شبابه حين كانت تبدي الفتيات اعجابهن بشعره ، وجلس بالقرب من الباب محدقًا طويلا ، وهو يعلم جيدا أن السارق سيأتي من الباب المغلق بإحكام ، وبدأ يتخيل شكل السارق هل هو أبيض اللون أم أسود !

هل هو نحيل أم بدين ؟! مرعب أم ودود ؟! ، يسرق بلطف أو بخشونة ، وعندما كان يخمن ويفحص الاحتمالات ، بانت أمام عينيه حبيبته الأولى أيام الثانوي وحبه الأول ، عندها لم يشعر إلا بشيء يقفز من النافذة ويستل نظره ، كان خفيف الحركة جدا وله أثر ليس كأثر الفراشة وإنما أثر ثقيل جدًا .

By Lars