قال رجل حكيم ذات مرة إن كل مجتمع يقرر كيف يعامل من هم أقل حظًا ، فهناك العديد من المواقف الإنسانية التي قد لا تمثل لنا شيئًا ، لكنها تمثل كل شيء للآخرين لذا يجب علينا مراعاة الغير خاصة هؤلاء الأطفال من ذوي الإعاقة ، ولعل تلك القصة الحقيقية التي وقعت مع شاي جون وذكرها والده هي خير أسلوب للتعامل مع هؤلاء الملائكة الصغار .

في حفل عشاء لجمع التبرعات بإحدى المؤسسات الخيرية التي تقدم المساعدة للأطفال المعاقين ، ألقى السيد جون والد أحد الطلاب خطابًا لن ينساه جميع الحضور من موظفين مخلصين وأولياء أمور وطلاب وأسر وبعض المسئولين ورجال الأعمال الذين يقدمون العون لتلك المؤسسة .

ففي ذلك الخطاب استهل الأب جون خطابه بعدة تساؤلات ألقاها على كل الحضور ، بعد أن تحدث عن التأثيرات الخارجية التي تقع للإنسان وأثرها في الوصول للكمال ، فقد قال الأب جون : أنا والد شاي ذلك الطفل الجميل الذي يقف أمامكم .

لم يستطع ابني شاي تعلم الأشياء كما يفعل الأطفال الآخرون ، هو أيضًا لا يستطيع أن يفهم الأشياء كما يفعل الأطفال الآخرين فأين هو النظام الطبيعي الذي يجعل طفل مثل شاي يفهم تلك الأشياء ؟ وأثناء إلقاء الأب جون لخطابه هدأ الجمهور وبدأ يستمع له بانتباه فقد أثارته تلك الأسئلة الغريبة التي أخذ الأب في طرحها ؟

وهنا أكمل الأب حديثه قائلًا : أعتقد أنه عندما يولد طفل مثل شاي جون ، من ذوي الإعاقات الجسدية والعقلية في العالم ، فإن فرصة ظهور الطبيعة الإنسانية الحقيقية بين البشر تقدم نفسها ، وهي تظهر بالطريقة التي يتعامل بها الآخرون مع هذا الطفل ثم قال للحضور سأحكى لكم قصه وقعت مع شاي شخصيًا .

ذات مرة كنت أمشي مع شاي بجانب حديقة فرأينا بعض الأولاد يلعبون لعبة البيسبول ، فسألني شاي ببراءة شديدة  : “أبي هل تعتقد أنهم سيسمحون لي باللعب معهم ؟” كنت أعلم أن معظم الأولاد لا يريدون شخصًا مثل شاي في فريقهم ، لكني أدركت أيضًا أنني إذا سمحت لابني بمحاولة اللعب ، فهذا سيعطي له إحساسًا كبيرًا بالانتماء وبعض الثقة بسبب قبول الآخرين له على الرغم من إعاقته .

لذا اقتربت من أحد هؤلاء الأولاد في الملعب وسألته (وأنا لا أتوقع منه الموافقة) ، هل يمكن لشاي طفلي أن يلعب معكم ؟ نظر الصبي حوله ثم قال : “نحن نخسر اللعبة بستة أشواط ، واللعبة في الشوط الثامن أعتقد أنه يمكن أن يكون مع فريقنا ، وسنحاول وضعه في فريق الخفافيش في الشوط التاسع .

فرحت كثيرًا وكافح شاي حتى وصل إلى مقعد الفريق بابتسامة عريضة ، ثم لبس قميص الفريق وراقبته بدمعة صغيرة في عيني ودفء كبير في قلبي ، رأى الأولاد فرحتي بابني وهي تزداد في عيني مع نزوله إلى أرض الملعب ، وفي الجزء الأخير من الشوط الثامن سجل فريق شاي بضعة تمريرات ، ولكنه كان لا يزال متأخرًا بثلاثة نقاط .

وفي الجزء الأول من الشوط التاسع لبس شاي جون قفازه ولعب مع فريق الخفافيش ، وعلى الرغم من عدم وجود أي ضربات في طريقه ، كان من الواضح أنه كان منتشيًا وسعيدًا فقط لمجرد أنه أصبح في اللعبة وبداخل ذلك الملعب الكبير ، كان طفلي يقف مبتسمًا من الأذن إلى الأذن ، فقد كانت لديه ابتسامه عريضة لا يمكن أن أنساها .

وبينما كنت ألوح له من المدرجات سجل فريق شاي نقطة أخرى في نهاية الشوط التاسع  فأصبحت النتيجة هي التعادل ، وكان الفائز المحتمل هو من سيلعب على القاعدة وكان من المقرر أن يكون شاي جون طفلي هو ذلك الشخص القادم في فريق الخفافيش ، انتابني القلق في تلك اللحظة وفكرت هل ممكن لفرقة شاي أن تسمح له باللعب في تلك المرحلة الحاسمة من اللعبة ؟

المثير للدهشة فعلًا أنهم أعطوا لشاي الفرصة لتسديد تلك الضربة لفريق الخفافيش ، وكان الجميع يعلم أن الضربة كانت مستحيلة من شخص في ظروف جون ، لأن شاي ابني لم يكن يعرف حتى كيفية حمل المضرب بشكل صحيح ، ناهيك عن قواعد التواصل مع الكرة وضربها بطريقه سليمة .

ومع ذلك تقدم شاي إلى مكان الضربة ، وتحرك رامي الكره من الفريق المنافس الذي أدرك أن هذه اللحظة هي لحظة تاريخية في حياة شاي ، فقرر أن يرمي الكرة بهدوء حتى يتمكن شاي جون على الأقل من ضربها ، وتسديد كرة أرضية بطيئة إلى الرامي وبهذه الطريقة إذا التقط المهاجم الكرة ستكون تلك نهاية اللعبة .

ولكن بدلًا من ذلك سدد الكرة مباشرة على رأس لاعب أخر ، بعيدًا عن متناول جميع زملائه في الفريق ، وبدأ الجميع من المدرجات والفريقان بالصراخ شاي اركض شاي وهم يشجعونه بحرارة ، فركض طفلي لأول مرة في حياته في لعبة كهذه ، فهو لم يسبق له أن لعب في أي وقت مضى قبل الآن ، لكنه استطاع أن يفعلها وركض إلى الخط الأساسي ، ثم صاح الجميع اركض مرة أخرى اركض إلى الثانية .

وبعد أن التقط شاي أنفاسه ركض بشكل قوي نحو الثانية ، كان  متألقاً وهو يصارع للوصول إلى القاعدة ، وفي الوقت الذي كان يقترب فيه شاي من القاعدة مرة أخرى ليفوز فريقه ، كان لاعب كرة اليمين بالفريق المنافس يمتلك الكرة ، وهو أصغر لاعب في فريقه وكانت تلك هي أول فرصة له ليكون بطل الفريق .

وكان بإمكانه أن يلقي الكرة في مرمى الفريق الثاني ليفوز فريقه ، لكنه فهم نوايا زميله الرامي برميته البطيئة التي أراد بها أن يساعد شاي جون ، لذا قام هو أيضًا بإلقاء الكرة عاليًا وبعيدًا ، فركض شاي نحو القاعدة الثالثة مع  كثير من الهتافات كلهم كانوا يصرخون : “شاي ، شاي ، شاي ، ” وهكذا وصل شاي إلى خط النهاية وركض على الكرة وفاز فريقه في تلك المباراة بفضل سماحة الفريقين .

فرح شاي حينها فرحة لم يفرحها من قبل ، وصاح كالبطل الذي ضرب البطولات الأربع الكبرى بعد أن فاز باللعبة لفريق الخفافيش ، في هذا اليوم فقد ساعد الصبيان من كلا الفريقين على جلب جزء من الحب الحقيقي والإنسانية الموجودة في هذا العالم إلى شاي جون ، وأنا سعيد جدًا أن طفلي استطاع أن يعيش تلك اللحظة لأنه لم يستطع أن يعيش بعدها لحظات أخرى فقد توفي طفلي هذا الشتاء .

قال الأب تلك الكلمات بهدوء والدموع تنهمر من عينيه منسدلة على وجهه ، وهو متأثرًا برحيله طفله الحبيب ثم أكمل في تماسك عسير : أنا لم أنسى أبدًا أنه البطل الذي جعلني سعيدًا وجعل أمه فخورة به ، ولم أنسى أيضًا مع فعله معه هؤلاء الصبية الرائعون ، فنحن لدينا جميعًا آلاف الفرص كل يوم لإحداث الفرق في هذا العالم ، والكثير من التفاعلات البسيطة التي تحدث بين  أي شخصين تقدم لنا خيارًا : هل نمنح غيرنا شرارة صغيرة من الحب والإنسانية أم نفوت هذه الفرصة ؟

By Lars