أطل من شرفتي كل صباح ، على هذا العالم العجائبي فيطرب قلبي لشقشقة البلابل وتلمع عيناي فرحًا لرؤية خيوط الشمس الذهبية تتسلل بخجل بين أغصان شجرة الصفصاف الوارفة ، أشعر بالحب يغمر كل جوارحي ، ما أجمل هذا الكون وما أعظم ابداعه !
في عربة مترو الأنفاق :
في عربة مترو الأنفاق ، وأثناء رحلتي اليومية إلى مكان عملي ، التحم الركاب ببعضهم البعض بسبب الازدحام المعتاد ، في مثل هذا الوقت من الصباح ، وتصاعدت رائحة كريهة في الجو بسبب رائحة العرق والأنفاس ، تنوعت أعمار وأشكال الركاب ، فهذا شاب يحملق في هاتفه المحمول ، وهذه السيدة تصطحب طفلتها إلى المدرسة ، وهذا موظف يمسح حذائه بمنديل ورقي ، وهذه سيدة عجوز لم تجد من يرفق بشيخوختها ، ويدعوها للجلوس .
يرتدي صليب في عنقه :
وكان من بين هؤلاء رجلان ، أحدهما يرتدي ثوبًا أبيض قصير ، وقد تدلت من وجهه لحية طويلة غير مهذبة وآخر يقرأ القرآن بصوت عالي ، غير مبال بمن حوله ، وعلى مقربة منه وقف شابا ثلاثينيا ، يرتدي صليب في عنقه ، وأخذ ينظر إليه نظرات تنم عن استياء وضجر !
نفاش حاد بين المسيحي والمسلم :
اقترب المسيحي من المسلم ، وقال له : من فضلك ، اخفض صوتك قليلاً فأنت في مكان عام ، رفع المسلم رأسه عن المصحف ورد باستعلاء : هذا كلام الله ومن حقي أن أرفع صوتي في أي مكان كيفما شئت .. دهش الشاب المسيحي لهذا الرد المفاجئ ، وزفر بحدة : إذن من حقي أن أخرج انجيلي ، وأقرأ فيه بصوت عالي مثلما فعلت .
مشادة كلامية نارية :
على الفور انتفض المسلم ورد بغضب : كتابك محرف وعقيدتكم ، باطلة يا من جعلتم من المسيح الها !! .. ارتعد المسيحي واحمرت أوداجه وصرخ قائلا : اخرس ..اخرس.. يا من تشرب بول الابل وتتزوج الصغيرات ، وتنشر دينك بالقتل والذبح .
رأي ملحد :
هنا تدخل شخص ثالث ، ارتسمت على ملامحه علامات السخرية والاستهزاء ، نظر إليهم بازدراء وقال بلهجة واثقة : أنتم الاثنان أجهل من دابة ، أنتم تتجادلون في امور ليس عليها دليل والعلم الحديث أثبت تخلفكم وايمانكم بخرافات وخزعبلات .
حالة من الذهول والألم :
هنا وقعت الواقعة ، ونشبت معركة حامية بعربة المترو ، أصبت على أثرها بكدمة أسفل عيني اليمنى ، علما بانني لم يكن لي ناقة ولا جمل ولا أشارك في الحوار بأي شكل من الأشكال ، لم أذهب للعمل في هذا اليوم ، وعدت لمنزلي في حالة من الذهول والألم أيضًا .
في شرفتي سوف أظل :
وقفت في شرفتي وسرحت بأعيني وقلبي في جمال اظل شجار وزرقة السماء وانعكاسها على صفحة مياه النهر .. ثم همست في نفسي قائلًا : سحقًا لكم وبما فعلتم بأربابكم ، سوف أظل هنا في شرفتي مع خالقي .