كثيرًا ما تجعلنا العصبية وضغوط الحياة نتفوه بما ليس في قلبنا ، وقد يصل بنا الأمر في لحظة من اللحظات للدعوة على أبنائنا دون أن نقصد ما نقول ، ولكن قد تكون أبواب السماء مفتوحة في أي لحظة ، الأمر الذي معه لا ينفع ندم ولا يجدي حزن ، لذا يجب علينا أن نحرص جيدًا على ما يلفظه اللسان حتى لا يحدث معنا مثل ما حدث مع أم طلال ، والتي تحكي قصتها وتقول :
اعتدت كل يوم على تنظيف منزلي مثل أي أم ، ولأني أعشق التحف كنت أحرص دائمًا على اقتنائها في منزلي ، وذات يوم وبينما أنا أنظف جاء طفلي الصغير وأسقط تحفة من الزجاج على الأرض فتهشمت وتناثرت أجزائها من حولي ، فغضبت كثيرًا لأنها كانت غالية الثمن وأخذت أصب عليه اللوم والسباب .
حتى أني دعيت عليه في ثورة غضبي ، وقلت له عسى ربي يقلب عليك جدار يكسر عظامك ، ومر الموقف ونسيته ومعه نسيت تلك الدعوة التي ارتفعت إلى السماء ، وأنا لا أدري من ذلك شيئًا فقد اعتدت الدعاء وقت الغضب ، ولم يكن يحدث شيئًا ، فاستهنت بدعوتي وجعلتها دومًا حاضرة في لساني .
ولكن الله لم يستهن بها حتى بعد مرور السنوات ، حيث كبر ابني مع أخوته وكان أحب أبنائي إلى قلبي ، كنت أخشى عليه كثيرًا وأحيطه بالرعاية والاهتمام ، وكان هو أكثر من يبر بي ويهتم لأمري ، وكان يوم تخرجه والتحاقه بالوظيفة هو يوم عيد عندي .
فأخذت أبحث له عن عروس حتى تكتمل سعادتي به ، وبالفعل خطب فتاة صالحة اخترتها له وقبل العرس بأيام كان لدى أبوه عمارة قديمة يقم بهدمها وإعادة بنائها ، فذهب معه لمتابعة عمل العمل هناك ، ولكن غاب عن بصر أبيه لبضع دقائق قليلة .
بعدها سمع العمال صراخه ثم اختفى الصوت ، حيث وقع عليه جدار من الجدران التي كانوا يقومون بهدمها قبل وصوله هو وأبيه ، وعلى الفور أزال العمال الجدار بصعوبة بالغة ، وأخرجوه وهو غائب عن الوعي وجسده مثل الزجاج فكل عظامه تكسرت ، وتم نقله للمشفى بواسطة الإسعاف .
وهناك تم حجزه في العناية المركزة ، فاتصل بي زوجي ليخبرني بما حدث ، حينما رفعت سماعة الهاتف وترددت كلماته في أذني ، لم استطيع أن أنطق بكلمة أو حتى أصرخ ، ولكن شعرت كأن الله أعاد أمام عيني تلك الساعة التي دعيت فيها على ابني وهو طفل صغير .
وحينما فقت من شرودي بكيت وسقطت على الأرض مغشيًا عليّ ، وحينما أفقت وطدت نفسي في المشفى حيث نقلني أبنائي ، وهناك طلبت رؤية ابني فأخذوني له ، كان نائمًا ولسان حاله يقول لي : هذه دعوتك لقد استجابها الله .
أخذت أبكي بنحيب شديد وأدعوه كي يفيق ، ولكن لم يجدي كل هذا فقد سبق السيف العزل وتوقف قلبه الصغير عن الخفقان ، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة ، صرخت وبكيت بصوت هز أرجاء المكان ، ليتك تعود للحياة مرة ثانية يا فقيدي ، وتكسر المنزل كله ولا ترحل عني ، ليتني مت قبل أن أدعي عليك أو حتى أصابني الله بالخرص .
دعوت الله أن يرحمني مما أنا فيه ، فقد كنت أشعر أني من تسببت في موته ، طلبت المغفرة منه والصفح من الله وعاهدت نفسي ألا أدعي على أحدًا من أبنائي ثانية ، وأدعوكم ألا تكرروا خطأي حتى لا تقعون في كربي ويعلوكم الندم .