وقعت أحداث تلك القصة بمستشفى النور بمكة المكرمة ، وبالتحديد في غرفة الطوارئ حين تم استدعائي لحالة طارئة فقد وصلت للمستشفى امرأة مغربية دخلت في حالة إغماء وهي تؤدي مناسك العمرة  ، كانت أصابع  قدميها ورجلها زرقاء بل تكاد تكون سوداء ، واتضح لي من التشخيص أنها مصابة الجرجرينا .

لم يكن هناك حل لتلك الحالة سوى بتر الجزء الميت من الأصابع والقدم قبل أن ينتقل المرض لباقي الأطراف ، خاصة وأن السكر كان مرتفع لدى المريضة ، الأمر حقًا كان صعبًا للغاية وما زاده صعوبة هو موقف زوج المريضة ؛ الذي رفض التوقيع على ورقة تفيد بموافقته على إجراء العملية ، وإخلاء مسئولية الأطباء في حالة إجراءها ، وكان هذا هو الإجراء المتبع في مستشفيات العالم أجمع .

فانتابني الفضول لمعرفة سر إصرار الرجل على الرفض رغم خطورة حالة زوجته وهي مازالت في منتصف العمر ، وذهبت إليه كي أقنعه بالتوقيع لأن في الانتظار خطورة على صحة الزوجة فقال لي : الأمر ليس بيدي أيها الطبيب ، فتعجبت من ذلك إنها زوجته وهو الوحيد الذي يحق له التوقيع .

فأكمل قائلاً لكي يزيل علامات الاستفهام التي على وجهي : إنها تعلم بأمر مرضها وقد أخبرنا الأطباء في المغرب بكل ما أخبرتمونا به ، ولكنها رفضت التوقيع هناك وجئنا بالأمس للعمرة طالبين من الله الشفاء ، وقد أقسمت عليا زوجتي ألا أوقع على بتر أي طرف من أطرافها لسر في قلبها ، أخبرتني أنها ستقوله لي فيما بعد .

فحاولت مرارًا أن أقنعه بالتحلل من يمينه خاصة أن الأمر ملح ، وقد تموت الزوجة إن لم يتم بتر قدمها ولكنه لم يرضخ لمحاولاتي ، فطلبت منه الذهاب للحرم وأخذ فتوى الشيوخ في الأمر ولكن دون جدوى .

كنت أظن في بادئ الأمر أن الزوجة أرادات الموت والدفن في مكة أرض الله الطاهرة ، والزوج يساعدها على ذلك لأنني رأيت حالات عدة لحجاج ومعتمرين كان كل أملهم الوحيد هو الموت في الحرمين الشريفين والدفن بجوار الرسول صلّ الله عليه وسلم ، وهو بالطبع تصرف خاطئ ينبغي ألا نشجع عليه .

لذا طلبت منه التوقيع على تحمل مسئولية رفض العملية الجراحية ، لإخلاء طرف المستشفى والأطباء فوافق وبالفعل وقع الورقة ، وبعدها عدت إلى غرفة العمليات لإنهاء عملية عاجلة ولكن بعد إنهاء العملية كان قصة هذا الحاج وزوجته تشغل عقلي وتفكيري .

فأثناء تدريبي وعملي بأمريكا مرت عليا حالات ترفض إجراء العمليات ، ولكن لأسباب دينية وعقائدية فنقل الدم عمل محرم لدى المسيحيين العلمانيين ، وهم فرقة من فرق المسيحية الأمريكية ، ولكن هؤلاء قومٌ مسلمون فلما ترفض المرأة إجراء العملية ؟ هل هو خوفها من العجز يجعلها تؤثر الموت على قطع أطرافها ؟

كنت أفكر في كل هذا وأنا أقترب من فراش المرأة النائمة ، فمازالت حالتها خطرة مستوى السكر مرتفع في الدم ، حالة الأصابع والقدم كما هي والمغذي في زندها الأيمن ، غادرت المستشفي وقصة تلك المرأة مازالت تشغل ذهني .

وفي الصباح عدت كي أطمئن عليها ، كانت الساعة السابعة تقريبًا وهي مازالت في حالة من الإغماء التام ، ولكن كان مستوى السكر لديها قد بدأ في الانخفاض فبدأت الحالة تستقر بعض الشيء ، وتتحسن صحتها ببطء ، وبينما أنا أمر على مرضاي في المستشفى جاءتني إحدى الممرضات وهي تركض لتخبرني بأن الحاجة إنعام المغربية عادت إلى الوعي .

فسرت خلف الممرضة بخطى سريعة وبداخلي سؤال واحد أود معرفة إجابته منها ، لماذا رفضت إجراء الجراحة في المغرب وأقسمت على زوجها ألا يوافق ؟ ولكن حين وصلت إليها كانت لا تزال متعبة رغم اعتدال مستوى السكر وحدوث تحسن طفيف بالقدم ، فتركتها بعد أن اطمأنيت عليها حتى سنحت لي في الفرصة بمحادثتها بعد عدة أيام .

وسألتها عن السبب فأخبرتني أنها بعد إصابتها بذلك المرض أخبرها الأطباء أن لا حل لها سوى البتر ، ولكن حينما عادت إلى بيتها ونامت في تلك الليلة رأت ملكًا كريمًا يدعوها لزيارة الكعبة ويبشرها بالشفاء فلبت النداء وجاءت طامعة في كرم الله .

وبالفعل بعد مرور 3 شهور حدثت المعجزة واختفى اللون الأزرق من قدميها ، وعادت الحاجة انعام تخطو عليها من جديد ، وقد كانت تغسل رجلها يوميًا بماء زمزم على نية الشفاء ، فشفاها الله ولا أزكي على الله صلاحها ولكنها كانت عارفة بكتاب الله مصلية صائمة ، ومؤمنة بقدرة الله على الشفاء .

وقد حدث أن أخبرت بعض زملائي الأطباء عن غرابة تلك القصة ، فأخبروني أن حالات أخرى مشابهة حدثت في أفغانستان أثناء الجهاد الأفغاني فسبحان من له الدوام القادر على كل شيء ، إن قال له كن فقد كان .

By Lars