يُحكى أن امرأة عوراء كانت تعيش مع طفلها الوحيد في بيت صغير متواضع ، بعد وفاة زوجها كانت تعمل دون كلل أو ملل ، كي توفر له حياة كريمة وتعلمه تعليم جيد ، تحملت المشقة والألم في سبيله حتى دخل المدرسة ، كانت تذهب كل يوم لتوصيله ومن ثم تعود لأخذه.

ظلت فترة على هذا الحال ترعى وحيدها ، حتى كبر بعض الشيء وبدأ ينسلخ عنها ، كان يتشاجر معها إن أتت إليه في المدرسة ، فقد كان يخجل من عينها العوراء ، ويخبرها أن زملاؤه بالمدرسة يسخرون منه بسببها .

كانت الأم تتقطع حزنًا وألمًا لكنها ظنت أن تلك الكلمات ، ما هي إلا ترهات طفل ستختفي حالما يكبر ويدرك ، أنها أم جيدة ولكن حينما كبر ازداد عقوقًا ونفورًا فبعد أن كدحت الأم وعملت بجد حتى أدخلته الجامعة ، ولم تلقى منه سوى الجحود .

سافر في بعثة للدراسة بالخارج وهناك انقطعت أخباره ، راسلها قليلًا في البداية حينما كان في حاجة للمال ، ولكن بعد ذلك لم تردها عنه أي أخبار ، كانت الأم تعيش في قلق شديد على وحيدها ، تود لو تراه مرة واحدة فقط لكي يطمئن قلبها .

ظلت على هذا الحال لسنوات حتى جاءها الخبر من أحد أصدقاؤه ، أن ابنها قد تزوج وأنجب ابنتين وهو يعيش في أمريكا معهم الآن ، ففرحت كثيرًا لسماع أخباره وجمعت ما معها من قوة ومال وسافرت لرؤية وحيدها ، وحينما وصلت إلى منزله طرقت الباب ففتحت لها كنتها .

وحينما علمت أنها والدة زوجها ، رحبت بها وأدخلتها إلى المنزل لتستريح ، وحينما جاء زوجها أخبرته بقدوم أمه ، فهاج وماج وقابلها مقابلة باردة لا مشاعر فيها ولا حنين ، متهمًا إياها أنها تسبب له العار بمظهرها السيئ ، وطلب منها أن ترحل ولا تريه وجهها مجددًا .

نزل الكلام على الأم كالصاعقة ، ومشت من بيت وحيدها وهي تجر أذيال الحزن والألم ، وسافرت على نفس الطائرة التي أتت بها ، عائدة على وطنها ، وبعد فترة من الزمن غيرت مشاعر الأبوة قلب ابنها ، فأحس بالندم على عقوقه لوالدته وقرر السفر ليطلب منها الصفح والمغفرة .

ولكن حينما عاد لم يجدها فقد غادرت لمكان أخر ، حيث علم من الجيران أن أمه توفت منذ فترة قريبة وتركت له وصية لديهم ، فأخذها الشاب وحينما فتحها وجد بها رسالة من أمه تقول فيها : اعلم يا بني أنني أحببتك كثيرًا وكنت أود أن أعيش العمر بجوارك وأموت بين يديك ، ولكنها كانت رغبتك أن أبتعد لأنك تخجل من عيني العوراء .

ولكن دعني أخبرك أمرًا : حينما كنت طفلًا صغيرًا ، تعرضت لحادث فقدت فيه إحدى عينيك ، فلم أرض لك أن تحيا هكذا حتى لا ينظر لك المجتمع نظرة سيئة ، وتبرعت بإحدى عيني لك كي تعيش سعيدًا هانئًا ، واخترت أن ترى بعيني فأنت يا بني أغلى عليً منها .

وحينما أنهى الشاب قراءة رسالة أمه ، بكى أحر البكاء وندم أشد الندم على ما فعله معها من جحود ونكران ، لقد تحملت الأم كل هذه الألام ، ضياع عينها ، وسخرية المجتمع منها ، وفوق كل ذلك كراهية ابنها وخجله منها ، لذا يا من تعقون ابائكم وأهاليكم رجاءًا فكروا فيما تفعلوا قبل فوات الأوان ، فقد يأتي يوم لا ينفع فيه الندم .

By Lars