أحيانًا ما يتبادر إلى أذهاننا ، بأن الهند هي بقعة المحبين على الأرض ، خاصة بعد أن علمنا قصة ضريح تاج محل ، وكيفية بنائه على إثر قصة عشق ملتهبة ، بين الامبراطور المغولي شاه جهان وزوجته الجميلة ، ممتاز محل والتي رحلت لتتركه وحده ، يعاني فراقها ويعمل على بناء صرح مشيد لها ، استغرق بنائه العديد من الأعوام حتى أصبح أسطورة تاج محل ، واحد من بين عجائب الدنيا السبع ، ويصبح قبلة للسائحين ومزارًا للراغبين في مشاهدة الضريح ، بقبابه العاجية البيضاء ، ولكن هل تاج محل هو العجيبة الوحيدة داخل بالهند ؟
في إحدى القرى الهندية الفقيرة ، عاش إنسان بسيط للغاية يدعى داشرات مانجي ، ولم يكن يملك من هذه الدنيا المال والجاه والخدم ، أو حتى أي سلطان حيث كان يعيش في كوخ صغير ، ولا يملك سوى فأس صدئة قديمة ، وأربع نعجات عجاف ويعمل بأحد مناجم الفحم ، الموجودة داخل قريته الصغيرة ، وعلى الرغم من ذلك ، فقد كان مانجي يشعر أنه ملك الكون كله ، ولا ينظر للقليل بين يديه أنه قليلاً ، وكان هذا الأمر هو ما يثير حيرة من حوله .
لم يكن بالأمر أية حيل أو أسرار ، ولكن من حسن حظ مانجي فقط أنه امتلك زوجة جميلة ، على الرغم من فقره وقلة حيلته ، ودخله المتواضعة إلا أنها كانت زوجة نقية طيبة القلب ، وجميلة المعشر لم تنفك يومًا عن خدمته .
وفي أحد الأيام وبينما خرجت الزوجة الطيبة ، تحمل الطعام لزوجها مانجي حيث كان يعمل في أحد مناجم الفحم ، وكانت هي قد اعتادت على الذهاب إليه يوميًا بالطعام والشراب ، وأثناء ذهابها إلى زوجها كما اعتادت كل يوم ، كانت تمر بإحدى المنحدرات الجبلية الوعرة ، فانزلقت قدمها لتقع أرضًا ، ويحملها الناس وهي تنزف بشدة ، ويذهبون بها إلى منزلها .
عاد مانجي من عمله متعبًا ، والقلق يكاد يفتك برأسه عندما لم تأتيه زوجته في هذا اليوم ، وبالفعل عندما ذهب إلى المنزل وجد جيرانه يلتفون حوله زوجته ، وهي راقدة على الفراش مثخنة بجراحها وتنزف بشدة جراء السقوط .
كان أقرب مشفى يجب أن تذهب إليه الزوجة ، في بلدة جاهلور الصغيرة والتي تقع بالقرب منهم ، ولكن يفصل بينهم جبلاً يحتاج للاستدارة حوله ، اجتياز طريقًا وعرًا ويستغرق حوالي سبعين كيلو مترًا ، وبالتالي تعذر على سيارة الإسعاف الوصول إليهم ، وأيضًا لم يكن بمقدور أحدهم أن ينقلها إلى المشفى ، وفارقت الزوجة الحياة في اليوم التالي ، متأثرة بجراحها .
بالطبع وفاة زوجة مثل هذه ، مثّل صدمة كبيرة بالنسبة لمانجي ، الذي قبع في منزله أيامًا طويلة لا يخرج ولا يقابل الناس ، وبالكاد يأكل أو يشرب شيئًا ، حتى فوجيء جيرانه به وهو يخرج عليهم حاملاً فأسه الصدئ ، ويمضي نحو الجبل الذي يفصل قريتهم ، عن المدينة الكبيرة وبسؤاله عما ينوي فعله ، أجاب أنه ذاهب لإزالة العائق الذي منع إنقاذ زوجته ، فظنوا أن مانجي قد جن تمامًا وهزوا رؤوسهم أسفًا على حاله .
ولكن هذا لم يفت في عضد مانجي ، الذي باع نعجاته الأربع واشترى بثمنهم أزميلاً يمكنه من الدق ، والنحت بالجبل فقد أشار مانجي إلى أنه لا يغرب أن يلقى شخص آخر ، نفس مصير زوجته الحبيبة ويموت لأنه يتوجب عليه ، الركوب لمسافة سبعين كيلو مترًا ، في حين أن شق هذا الجبل اللعين سيجعل المسافة ، لا تتجاوز الخمسة عشرة كيلو مترًا فقط ، وبدأ نشاطه الذي استغرق عشرين عامًا في حفر طريق بهذا الجبل .
والذي فتح الحياة على مصراعيها أمام الأبناء ممن يرغبون في تلقي العلم ، والشباب العاطل الراغب بالعمل ، والمرضى الراغبون في العلاج ، لتتحول سخرية من حوله إلى إعجاب وانبهار بعمله عندما تحول الشق الصغير مع الوقت ، إلى هوة متسعة وكلما مر الوقت كلما ازدادت اتساعًا ، ليبدؤوا في مساعدته بالماء والطعام والحفر أيضًا .
وتوفى رجل الجبل كما أطلق عليه عام 2007م ، عقب أن قام بشق الطريق في الجبل واستغرقت الحكومة ثلاثين عامًا أخرى من أجل تعبيده وجعله صالحًا للاستخدام ، ليكون المحرك الأساسي في تلك الحياة ، هو حب رجل الجبل لزوجته الراحلة .