إن الإنسان الصحيح هو الذي يتصالح مع نفسه ، ولا يحمل هم الغد إلا حينما يأتي ، فالحياة مليئة بالضغوط والمشاكل ، والتفكير فيها بنظرة سلبية يزيد الأمر سوءًا ، ولا يأتي بحل سليم لذا يجب على الإنسان أن يحسن ظنه ويترك الأمور ليسيرها الله كيفما أراد ، حتى لا يحدث له مثل ما حدث لصديقي بلال .

كان بلال شاب قد تخطى مرحلة الطفولة ، كان يحب الخروج كثيرًا والاستمتاع مع الأصدقاء ، اعتاد إضاعة الوقت في ألعاب الكمبيوتر وممارسة الرياضة ، لم يكن بلال يحب المدرسة فأهمل واجباته المدرسية .

حتى حينما أصبح بلال في الصف الثالث الثانوي وكان لزامًا عليه الدراسة بجدية واهتمام ، والإقلال من الخروج يوميًا لكي يدخل الكلية التي يرغب بها لم يفعل ذلك ، وتوالت الأيام والشهور واقترب موعد امتحان الثانوية العامة ، وازداد ضغط الأهل على بلال وهو لم يعتد على الدراسة لساعات طويلة .

لذا لم يستطيع احتمال ضغط الأهل المتواصل ، بأنه لابد أن ينجح ويرفع رأس العائلة عن طريق دخوله واحدة من الكليات المرموقة ، ومع استمرار الضغط الشديد عليه ، أصبح بلال مشوشًا جدًا حتى أنه كان يقول أمامي : أنا أتمني الموت في كل يوم وكل لحظة ، كان يقول لي حرفيًا : يا رب أموت قبل قدوم الامتحانات ، فأنا أخشى كثيرًا من الفشل .

ولكني كنت أحاول تهدئته جاهدًا وأقول له : بالله عليك يا صديقي لا تقل هذا ، افعل ما تستطيع واترك الباقي لله تعالى ، وبعد فترة من حديثي معه اقتنع بكلامي ، وقال لي : سوف أحاول أن ابذل قصاري جهدي ولكن كن بجانبي يا صديقي ، وبعد أسبوع حديثنا هذا اتصل بي وأخبرني أنه سيسافر إلي العاصمة ، لزيارة عمي يومان وبعدها سيعود .

ولكن على الرغم من رغبته تلك لم يكن هناك قبول لتلك السفرة لدى أهله ، فحدث أن كلمتني والدته وأخبرتني أنه قلبها غير مطمئن لتلك السفرة ، وطلبت مني أن أقنعه بالعدول عن تلك الرغبة بصفتي صديقه المقرب ، ولكنه رغم كل محاولاتي أصر على السفر ، وفي النهاية رضخت أسرته لرغبته .

كنت هناك عند استعداده للمغادرة ، سلم عليّ وودع أسرته ووعدهم أنه سيجتهد في دراسته عند عودته ، وبعد مرور أربعة أيام رن هاتفي النقال ، وكان المتصل هو أحد أصدقائنا بالمدرسة ، ويدعى محمود ، قال لي بصوت حزين هل ستأتي معنا غدًا ؟ فقلت له وأنا لا أفهم شيئًا إلى أين ستذهبون ؟

فقال لي بصوت أقرب للبكاء ألا تعرف ما حدث ؟ فقلت له لا أعرف أخبرني ماذا هناك ؟ فقال : لقد مات بلال صديقنا ونحن ذاهبين للعزاء غدًا ، اسود الكون أمام عيني ودارت بي الأرض وكدت أسقط من هول الصدمة ، قلت كيف ؟ لقد كان معي منذ أيام ، لقد هاتفني بالأمس فقط ! فقال لي محمود : لقد انقلبت به السيارة وهو في طريق العودة ومات على الفور .

لم استطع الكلام حينها ، وتجمد الدم في عروقي تمامًا وأصبحت الدموع تنزل من عيني دون إذن ، ولم أستطيع النوم يومها من شدة حزني على وفاة صديقي بلال ، أخذت أفكر فيه وتذكرت دعائه وهو يقول : يا رب أود الموت قبل أن يأتي موعد الامتحانات .

وبالفعل حقق الله دعواه ومات وهو في سن صغير ، فلم يكن قد أكمل عامه الـ 17 بعد  مازلت أذكره دائمًا وأزوره في قبره كلما استطعت ، وادعوا الله أن يغفر له ويدخله جناته ، فقد كان رفيقي الحبيب الذي أوجعني فراقه ، ولكني تعلمت من قصته ألا أدعي على نفسي ولا أي من أحبتي مهما حدث .

By Lars