جون راقص السيرك والسائر على الأحبال ، فرنسي الجنسية من الأساس ، انطلق برفقة مجموعة من الفقراء يعملون بسيرك متنقل ، حتى يكسب قوت يومه فقد كان ابنًا لسيدة من أسرة متوسطة الحال ، فكانت ابنة ضابط متقاعد ، مثقفة وذكية وعشقت شابًا يعمل جنديًا بالجيش الفرنسي ، عاشا معًا حياة جميلة وهادئة حتى انقلبت حياتهما بشكل مباغت من السيء إلى الأسوأ .
توفى والد جون أثناء خدمته لوطنه ، فاضطرت والدته أن تعمل من أجل توفير ، الحياة الكريمة لجون وشقيقته الوحيدة ، فعملت بأحد مصانع النسيج إلى أن أصبها المرض ، فرقدت طريحة الفراش بالسل ، إلى أن وافتها المنية.
انتقل جون وشقيقته إلى العيش مع أقاربهما ، إلى أن تكفلت بشقيقته إحدى السيدات من عائلة والدته ، فاضطر هو للخروج إلى العمل وكسب قوت يومه ، وترك دراسته من أجل توفير المال .
لاحظ جون أن يستطيع السير على الأماكن ، والأشياء الرفيعة فتدرب كثيرًا على السير ، فوق الأحبال إلى أن أمنّ لنفسه عملاً بإحدى الفرق ، التي تتنقل عبر البلاد وتقدم فقرات السيرك أمام الجمهور .
انطلقت المجموعة التي كان يعمل بها جون ، نحو إحدى القرى ببلدة جديدة ، وقد لفت نظره وجود فتاة رقيقة ذات عينين زرقاوان ، تشاهد عروضه بشغف شديد ، كان جون يصعد على الحبل كل يوم ، وما أن يراها حتى تنفرج أساريره ، فلكم عشقها وعشق وجودها .
حانت اللحظة الحاسمة وقررت المجموعة ، أن ينتقلوا بالسيرك إلى مكان آخر ، مما أصاب جون بالهلع فقد ترك قلبه برفقة تلك الرقيقة ، وكيف له أن يراها مرة أخرى ، عندما علم جون بأمر الرحيل ذهب إلى الفتاة ، عقب انتهاء عرضه وطلب أن يتعرف بها ، فأخبرته أنها تدعى ألكساندرا وأنه ابنة لأحد أكبر الإقطاعيين بالبلدة ، فأخبرها جون أنها سوف يرحل عن البلدة عقب يومين ، ويود أن تراه وهو يتدرب على عرضه فتهلل وجهها فرحًا ، ووافقت .
كانت ألكساندرا تبلغ من العمر ستة عشر عامًا فقط ، ولكنها كانت ذات شخصية قوية ، فخرجت لملاقاة جون وجلسا يتحدثان سويًا ، وأخبرها جون بحبه لها ولكنها أوضحت ، بأن تقاليد عائلتها تجبر فتيات العائلة على الزواج ، من رجال الإقطاعيين ولا يجب أن تعترض الفتاة قط ، وفي المقابل تعيش حياة مترفه ومرفهة ، عوضًا عن الفقر .
حزن جون كثيرًا ولكن ألكاسندرا بادرته بموافقتها ، واستعدادها على الهرب معه والزواج منه ، وبالفعل التقيا وتزوجا بإحدى الكنائس ، ثم انتقلا إلى باريس ليعود جون إلى مسقط رأسه ، وباع منزل والديه ثم ابتاع منزلاً صغيرًا بوسط المدينة ملحق به دكانًا ، قام جون باسنثماره ليكسب قوت يومه عن طريقه وعاشا سويًا لعامين ، لايكدر صفوهما شيئًا وأنجبا طفلة رقيقة تشبه أمها أسمياها ماري .
دائمًا ما تتغير الأحوال ، ولا شيء يبق على حاله فمع بداية ، الحرب العالمية الثانية وهزيمة فرنسا على يد الألمان ومن ثم ، توقيع معاهدة الاستسلام وتدهور أحوال البلاد ، ساد الجوع والفقر وانتشرت السرقة ، وللأسف قام أصحاب الحوانيت الصغيرة بإغلاق تجارتهم الصغيرة ، فهم أول من تعرضوا للخسائر .
اقترحت ألكساندرا أن يعودا إلى قرية أهلها ، فهي مناطق لم تمتد إليها يد العبث الألماني ومازالت تحتفظ ، بالكثير من الخيرات بدلاً من سوء الأوضاع التي شهدتها باريس ، توجس جون خيفة من لقاء أسرة ألكساندرا وحاول أن يبعد فكرة الذهاب إليهم ، عن رأسها إلا أنها أصرت مع ضيق اليد وتدهور الأوضاع وتعرضهم للجوع أيضًا ، وأقنعت جون بأن الناس لابد وأنهم قد نسوا حكايتها ، خاصة مع ما تمر به البلاد من أزمات وحروب .
انتقل جون برفقة زوجته وطفلتهما وعادا إلى منزل أهلها بالقرية ، استقبلتها الخادمة وما أن رأتها حتى تهلل وجهها ، وصاحت لوالدة ألكساندرا ، وما أن أتت ورأتها حتى كادت تضربها ، ولكنها جلست وسألتها عن أحوالها ، ولكنها ظلت ترمق جون باحتقار حتى نهض وقد أصر على الرحيل ، ولكن ألكساندرا أخبرت والدتها أن جون إذا رحل سوف ترحل برفقته .
كان والد ألكساندرا مريضًا ، وما أن علم بقدومها وأنه قد صار لديه حفيدة ، حتى وافق على مكوثها هي وجون برفقتهما ، ومضت الأيام وكلاً من الوالدين يرمقان جون باحتقار ، وظلا يتحدثان عنه بسوء سواء بوجوده أو غيابه ، حتى بات يثمل بشدة وأصاب حاله الاعوجاج .
وفي أحد الأيام ارتفع صوت الشجار بين الزوجين ، ثم انطلق صوت رصاصة في المكان ، فهرعوا جميعًا إلى الغرفة ، ليجدوا ألكساندرا غارقة في دمائها ، وجون يمسك بالمسدس وينظر إليه في ذهول ويردد لم أقتلها .
تم الحكم على جون بخمسة وعشرين عامًا ، قضاها سجينًا وحيدًا وعقب أن خرج ، ذهب يبحث عن قبر زوجته ووجده ، وجلس يبكي أمامها ويعتذر لها ويردد لم أقتلك ، حتى أتت فتاة شابة وسألته عما يفعل ، وما أن رفع وجهه إليها حتى صاح ألكساندرا ، وفقد وعيه .
عادت الفتاة إلى منزلها وأحضرت طبيبًا ، أخبرها أن جون مريض بالسل وأنه يحتضر ، فجلست برفقة لخادمة العجوز وجلستا تتحدثان ، ثم طلبت منها الاطمئنان على العجوز المشرد ، لتتفاجأ بالسيدة تصرخ أنه هو ، فسألتها الفتاة باندهاش من هو ؟ فأخبرتها : إنه والدك جون يا سيدتي ماري .
وروت لها أن والدي ألكساندرا والدتها ، قد اتهما جون بأنه قتل ابنتهما في حين أنها كانت تحاول منعه من الانتحار ، ولكن الرصاصة خرجت لتصيبها هي وتقتلها في الحال ، فصعدت ماري وهي تحاول أن تتأمله بعد أن حرمت منه طوال تلك الأعوام ، فانهمرت دموعه وهو يعتذر لها عما حدث ، وأخبرها أنه قتل ألكساندرا عندما أحبها ، ثم فاضت روحه إلى بارئها .