يكون للحياة معنى أينما يتواجد الخير والإحسان والأفعال الطيبة ؛ حيث أن معاناة الإنسان تحتاج إلى اليد التي تُخفف وتساعد ؛ حتى لو لم تستطع تلك اليد أن تعالج المعاناة ؛ ولكن يكفي المساعدة التي قد تحمي الإنسان من بعض المخاطر التي تحيطه ؛ نتيجة تلك المعاناة الممزوجة بالألم .

رأى أحد الرجال وهو صاحب معرض كبير للسيارات امرأة وثلاث فتيات صغيرات تقفن أمام معرضه ، وفيما يبدو أن تلك السيدة كانت والدة الفتيات ، في تلك اللحظة لم يفكر الرجل أن يبعدهن عن المكان أو أن يُهينهن ؛ بل قاده تفكيره إلى أنهن ربما وقعن في مشكلة ما ؛ وعليه أن يعرف ما إذا كان أصابهم سوء كي يستطيع مساعدتهن .

اقترب الرجل من الأم والصغيرات ؛ ثم سألهن عن أحوالهن وهل يستطيع أن يساعدهن في أمر ما ؛ حينها شعرت الابنة الكبرى أن النجدة قد وصلت إليهن ؛ وخاصةً حينما سألهن ذاك الرجل عن والدهن ؛ فأجابت الابنة الكبرى على وجه السرعة برقم هاتف والدها ؛ والذي كانت تحفظه في ذاكرتها عن ظهر قلب ، وفيما يبدو أنها لم تجد يد العون لتساعدهن إلا في تلك اللحظة .

شعرت الفتيات ببعض الأمان الذي افتقدنه طيلة ثماني أيام مرت عليهن في الشوارع الباردة ؛ حيث خرجن مع أمهن المصابة بمرض نفسي من المنزل ؛ ولكنهن لم تستطعن العودة مرة أخرى إلى منزلهم كي تحتمين به .

قام الرجل صاحب المعرض بالاتصال بوالد الفتيات ؛ والذي تفاجأ بصوت ابنته التي غابت عن حضنه مع أختيها وأمها ، وتحدثت إليه الابنة عن وضعهن المؤسف ، ثم تحدث إليه صاحب المعرض وأخبره أن زوجته وبناته يتواجدن بالقرب من معرضه .

لقد ظلّ الأب طيلة أيام اختفائهن يبحث عنهن في كل مكان ممكن ؛ فذهب إلى المولات وتجول في الشوارع والأسواق ؛ وبحث في أماكن كثيرة ؛ غير أنه لم ينجح في مهمة استعادتهن إلا حينما هاتفه ذلك الرجل الطيب صاحب المعرض .

أخذ الأب العنوان ؛ وذهب على الفور إلى ذلك المكان الذي يأوي زوجته وبناته ، كان الأب يشعر بالسعادة العارمة التي غمرته منذ اتصال صاحب المعرض به ؛ حيث أنه قد عانى من أيام وليالٍ في أشد القسوة ؛ نظرًا لغياب زوجته المريضة وفلذات أكباده ، وكان يفكر دائمًا في مصيرهن الذي لا يعلمه .

شعر الأب أن طوق النجاة قد أتى لينقذ بناته الصغيرات من مصير مجهول في الشوارع مع والدتهن المريضة نفسيًا ؛ والتي لا تستطيع أن تعتني بهن أو تصل إلى بر أمان لتنقذهن من قسوة الشارع والتشريد ، غير أن الله سبحانه وتعالى قد وضع الرحمة في قلب ذلك الرجل الطيب صاحب المعرض لينتبه إلى حالة الأم وبناتها دون أن يقسو عليهن أو يطردهن من المكان .

حينما التقى الأب بزوجته وبناته شعر بأن روحه قد عادت إليه بعد غياب طال لثماني أيام قاسية ، وعلم أن بناته وزوجته قد قضين تلك الأيام الثماني داخل مصليات المساجد وفي الحدائق العامة .

كان لصنيع صاحب المعرض فضل عظيم بعد المولى عز وجل ؛ في عودة تلك المرأة المنكوبة وبناتها الصغيرات اللاتي لا تعلمن كيفية مواجهة تلك الحياة الخارجية إلى منزلهن ؛ لكي تأمنّ مكر الشوارع القاسية ، ويكفي على أمهن معاناتها مع المرض الذي يداهمها .

إذا ظهرت مشاعر الرحمة الإنسانية داخل الشوارع ؛ قد تتبدل الحياة بقسوتها وبرودتها إلى أماكن دافئة ؛ يخاف فيها الناس على بعضهم البعض ، أو على الأقل إذا تواجدت النسبة الأكبر من الناس الرحماء أمثال صاحب المعرض ؛ فستُحل العديد من مشاكل الشوارع الموجودة في كل مكان وزمان ؛ مما سيجعل الناس يشعرون بالدفء والأمان بدلًا من الخوف والذعر .

By Lars