أحب أن أسميه الفيلسوف ، لاشيء سوى لأنه فيلسوف فعلاً ، الحياة بالنسبة له بيضة ، والبيضة شبيهة بالعالم ، والعالم نقطة ، والكون نقطة ، وهو نقطة ، وأنا أهم نقطة في حياته ، هذا مايقوله لي على الأقل .
بداية ونهاية :
وأحياناً يناديني ، بيضة ، وحين أسأله بدلال ، ماذا تعني له البيضة ؟ يجيبني دون تردد : الحياة هي البيضة يا بيضة ، مضى على تعارفنا خمس سنوات ، والآن حان موعد تحديد نهاية لعلاقتنا .
أنا وهو والقنبلة :
هو يدرس الفلسفة في ثانوية ضائعة في هلام هذه البيضة ، وأنا أدرس الكيمياء التي لا تعني شيئا لتلاميذي إلا ما يتعلق بصنع القنبلة ، تلميذي المشاغب عمار حسون ، لا يكف عن طرح الأسئلة : متى نصنع قنبلة لنا يا أستاذة ؟ حقيقة أنا لا أدري متى تسنح لنا الفرصة لنصنع قنبلة معاً ، وحتى الفيلسوف لم يحدد لي اجابة لهذا السؤال ، ظل يحملق فيّ كأنه أضاع شيء في ملامحي ، ولم ينبس بكلمة طوال ساعة ، بل ظل يفرك لحيته التي لم يحلقها منذ زمن .
الفيلسوف البشع :
إنه فيلسوف ، ومن حقه أن يصنع بنفسه العجب مادمت لم أصبح زوجته بعد ، أردت أن أهمس له بهذه الحقيقة المعششة بخلدي منذ زمن ، لكن سؤال تلميذي عمار حسون ، ظل يسد منافذ الكلام على لساني .
في الأخير قررت أن أطرح عليه السؤال مرة أخرى : متى نتمكن من صنع قنبلة يا فيلسوفي البشع ؟ لم أفتر عليه يوما ما ، هو بشع بالفطرة ، جاحظ العينين من كثرة التأمل ، وله أسنان طويلة شبيهة بسور الصين العظيم ، أما شعر فهو منسكب على كتفيه منذ كان طالباً بالجامعة ، لكني لا أفهم بعد ما الذي يشدني إلى شكله الأقرب إلى البشاعة منه إلى الجمال ، فلا أمل من النظر إليه أحيانا .
متى القرار :
إنه يحب دائما أن يناقش الأمور حسب أهميتها ، يصنفها ويخترع أسماء عجيبة للأشياء التي نعرفها ، يطرح كثيراً من الأسئلة حول ما نعتقده شيئاً بديهياً ، انه مختلف .. ، كان مازال يتأملني وأنا أنتظر منه إجابة أقتنع بها عمار حسون المشاغب ، وكانت فرصتي لأغوص عبر شحم عينيه في بالوعة أفكاره ، ترى هل سيقرر اليوم ويحدد موعد لخطوبتنا ، موعدا لزواجنا ، موعدا لنهاية مواعيدنا المسروقة كلها في استوديو الأنوار ؟ هل سيقرر اليوم ؟
زواج أم قنبلة :
هل تفكر في زواجنا يا فيلسوف ؟.. أجابها : بيضة .. حبيبتي حينما تتحدثين عن الزواج تبدين غبية مثل كل النساء ، حين تسيطر عليهم فكرة الزواج .. قالت : لكن الزواج هو العلاقة الصحيحة بين ، قاطعها : لن نتمكن من صنع القنبلة لأننا نفكر دائما في اقامة علاقات صحيحة بيننا ..نفكر .. نفكر.. ما الذي يقوله هذ المجنون ؟ .. إنه يروي مشاعري بالهلع ، إنه في لحظة أقل من لمح البصر يغير هويتي إلى عاهرة حسب الأعراف .
أريدك امرأة أحلامي :
لكنى أحبك .. أحبك ..أرغب في مواصلة الحياة معاً ، هل تفهمني إنه من الصعب أن أقف عند النقطة التي لا تمثل النهاية السليمة لما بدأته معك .. قال لها : لم لا تكونين امرأة غير عادية ؟ .. لم لا تكونين امرأة أبدية لا تنتهي بشراء وثيقة مثقف عليها من جهة أنها وثيقة شرف ..لم لا تكونين امرأة أحلامي ، تكبرين في أبحاثي ، في دراساتي ، وتكبرين في التاريخ ؟ نعم أريدك امرأة أحلامي يا بيضة ؟ .. أريدك عنيفة في البقاء ، فلا أريدك أن تكوني زوجة ، امرأة للطعام وللأطفال وللبكاء ، لدعوات الغذاء والعشاء ، امرأة لهم ، لا أريدك كذلك ..
كذب الرجال :
كل الرجال يكذبون ، يكذبون بالجملة ، وحتى فيلسوف ، بعد عام على هذا الحكي ، تزوج من أخرى ، وأنجب منها أطفال ، فيما منحني بطاقة عهر دائمة ، كانت نتيجة علاقتي معه في الاستوديو ، استوديو الأنوار ، ولم أجد زوجا أفك بها عقدي التي أصابني بها الفيلسوف ، فعدت إليه لأكون امرأة أحلامه .
امرأة أحلام فقط :
الغريب أنني بعد زواجه ، لم أعد أطيق سؤال عمار حسون ، متى نتمكن من صنع القنبلة ؟ يخيل إليّ أنه يقول لي : متى ستقيمين علاقة صحيحة مع عشيقك ؟ متى ستتزوجين ؟ صرت أمقت سؤاله ، وأمقت وجهه ، وأمقت وجوده ، فأعطيه وصفة لصناعة قنبلة تقليدية ، فتخلصت من سؤاله ، ثم فيما بعد نسيته تماماً ، حين تحولت إلى امرأة أحلام فقط .!!