الفقر والغنى ليس بيد أحد منا ، فإذا رزقك الله القناعة والرضا فاحمده حمدًا كثيرًا ، حتى لا تقع في الشرك بالله أو القنوط من حالك ، فتستدرجك نفسك نحو طريق ، قد لا تستطيع العودة منه مرة أخرى ، مثلما حدث مع بطل قصتنا هذه .
جلس عماد الشاب صغير السن ، ومعتل الصحة على الأريكة ، يتأمل حاله وما وصل إليه بفضل أطماعه وعدم قناعته ورضاه بما قسمه الله له ، وترقرقت عيناه بالدموع ، وهو يرى حاله ، حيث لا يستطيع التحرك أو الركض والانطلاق ، مثل أبناء دفعته وسنه ، فهو مازال شابًا ولكنه يعاني من المرض الذي أقعده بلا حراك ، وتذكر كيف وصل به الحال إلى هذا الوضع .
كان عماد شاب فقير الحال ، يعمل بأحد مكاتب البريد الصغيرة ، ويتقاضى راتبًا يكاد يكفيه حتى ينتهي الشهر ، ويعيش وحيدًا في شقة بحي متواضع للغاية ، كان والديه المتوفيان قد تركاها له ، عقب وفاتهما .
لم يكن عماد من الشباب الكسول أو المتخاذل ، بل دائمًا ما يمارس الرياضة والسباحة ، وكان الكثير من أصدقائه يحسدونه على لياقته ومهاراته المتعددة ، ولكن عماد لم ير في نفسه هذا ، وإنما كل ما كان يشغل تفكيره هو المال ، وكيف هو فقير ووحيد وراتبه لا يكاد يكفيه ، بينما يمتلك ابن عمه الأموال الطائلة ولديه من الشركات ومالًا لا يعد ، وتزوج أيضًا فتاة جميلة وحياته مستقرة ، عقب أن ورث من أبويه مالاً كثيرًا ، فكر عماد هكذا هي الدنيا الفقير يلد فقيرًا ، والغني يلد غنيًا ، فهو مكتوب على جبينه أن يظل هكذا طوال عمره .
كان عماد يبحث بشتى الطرق عما يؤمن له الثراء السريع ، وطالما حلم بأن يتحرك بسياراته الفارهة متجهًا نحو عمله بالصباح ، ويعود إلى القصر الذي يسكنه مساء ، ليجد زوجته الجميلة في انتظاره ، هكذا هي الحياة التي أرادها ولكنها لم تأت له ، بل حظى بها ابن عمه .
بدأ عماد في البحث عن الكتب على شبكة الإنترنت والمكتبات ، في محاولة منه للعثور على طريقة سريعة للثراء ، وأثناء تواجده بالمكتبة وقع بين يديه ، كتابًا عن التعاويذ والسحر ، فحمله عماد لتسقط منه ورقة ، مكتوبة بخط اليد وبها طلاسم عدة ، وأنها تعويذة للتحويل من الفقر إلى الغنى ، وكان عليها ملحوظة بأن من ينفذ الطريقة لن يستطيع العودة مرة أخرى ، هنا ابتسم عماد وقال ومن يرغب في العودة إلى الفقر مرة أخرى !
حمل عماد كنزه الثمين وذهب إلى منزله ركضًا ، وفتح الورقة ليجد فيها عددًا من الطلاسم ، والطريقة أنه يأتي بأثر شخص ما ثري ، ويبدأ في ذبح ديكًا على هذا الأثر داخل الحمام ليلاً ، وذلك على ضوء شمعتين في الظلام ، ويقف أمام المرآه ويتلو التعويذة المكتوبة ، حتى يتم التحويل وتتبدل أدواهما .
ذهب عماد باليوم التالي إلى ابن عمه في شركته الخاصة ، وظل يدور بعينيه في المكان وابن عمه لا يعيره أي اهتمام ، حتى حانت له الفرصة فأخذ منديلاً كان ابن عمه قد جفف به عرقه ، وحمله عماد وانطلق نحو منزله ، ونفذ كافة تعليمات التعويذة بالليل .
نهض عماد ليجد نفسه نائمًا فوق فراش وفخم للغاية وفي غرفة غاية في الثراء ، حاول أن ينهض إلا أنه قد شعر بألم حاد في الظهر والرجلين ، فظن أن هذا بسبب تعويذة التحويل ، فجأة طرق الباب ففتحه ليجد الخادمة تدعوه لتناول الفطور فقد أصبح جاهزًا .
هبط عماد ليجد الفطور عبارة عن طبق من الطماطم والخيار وكأس شاي مر الطعم ، فصاح معترضًا أنه يرغب في تناول ما لذ وطاب ، فأجابته زوجته أن يهدأ وأن هذا هو الطعام الأفضل له ، حتى يستطيع تناول دواءه ، المكون من علاج الكبد والسكري وضغط الدم ! هبطت الكلمات فوق رأس عماد كالصاعقة ونظر للصحن الممتلئ بالأدوية المتنوعة .
قرر عماد الذهاب للطبيب الذي أخبره أن أيامه ، قد أصبحت معدودة في هذه الدنيا ، خاصة أن الأمراض قد نهشت جسده الضعيف ، هنا أدرك عماد ما فعل في نفسه ، كان لابد له أن يرضى بحاله ، وهنا جلس فوق كرسيه الأنيق يتحسر على حاله ، ويتمنى لو يعد إلى ما كان عليه من فقر ، ولكن بصحة جيدة .