إن الفتاة التي تعيش في كنف والديها ورعايتهما ؛ من المؤكد بالفطرة أنها تشعر بالأمان والسكينة والحب ، ولكن حينما تندثر تلك المعاني لتصبح مجرد كلام لا تشعر به الفتاة ؛ فإنها حتمًا ستصاب بكل أنواع الإحباط والاكتئاب ؛ وذلك حينما يكون سندها في هذه الحياة هو نفسه مَن يهدمها ويهزمها .

لقد عانت ابنة التاسعة عشر من كذبة والدها التي أدت بها إلى الزواج من رجل في العقد التاسع من عمره ، إنها المأساة التي لم تكن تتوقع أن تعيش بداخلها ؛ حيث أن الرحمة اُنتزعت من قلب والدها الذي لم يفكر في أحكام الشريعة الإسلامية التي تمنعه أن يخدع ابنته أو أن يزوجها بالإكراه ؛ لأن الزواج لابد وأن يكون بالتراضي والوضوح .

لقد خدع الأب ابنته ؛ حيث جاء بشاب صغير وسيم ، ثم أخبر ابنته الفتاة الصغيرة أن هناك عريس يطلبها للزواج ، وسمح لها بالجلوس معه لتحقيق الرؤية الشرعية للطرفين ، شعرت الفتاة بالفرحة حينما رأت الشاب الذي كانت تطمح للزواج بمثله ؛ ووافقت على إتمام الزواج ؛ والذي تم بعقد القرآن مباشرة دون أي فترة خطبة أو تعارف .

أصيبت الفتاة بأكبر صدمة في حياتها والتي لم تخطر ببالها ؛ لقد تفاجئت تلك الفتاة أنها لم تتزوج من الشاب الوسيم الصغير الذي رأته على أنه سيكون الزوج المستقبلي ، بل وجدت نفسها في عصمة رجل عجوز مسن ؛ كادت الفتاة أن تنهار من هول ما شعرت به .

لم تكن تدرك أن والدها الذي من المفترض أن يكون أكثر مَن يحبها ويخاف عليها ؛ هو نفسه الشخص الذي سيقوم بخديعتها ؛ لتحقيق أغراضه الشخصية على حساب ابنته التي لم تبلغ العشرين من عمرها .

فكرت الفتاة في الخروج من ذلك المأزق الذي وُضعت فيه رغمًا عنها ، لم تجد طريقًا غير هروبها من منزل والدها واللجوء إلى هيئة القضاء للفصل في قضيتها في ذلك الزواج الباطل شرعًا وقانونًا ، وبالفعل تقدمت بقضيتها التي أوضحت خلالها ملابسات موافقتها على ذلك الزواج .

قبلت هيئة المحكمة قضية الفتاة التي أُجبرت على الزواج من العجوز بشكل غير مباشر ؛ ليصبح زواجها بلا أي هوية وكأنه زواجًا بالإكراه ؛ مع اختلاف تلك الخديعة التي وقعت فيها لتعلن قبولها أمام المأذون ، وكأن والدها يتحايل على الشرع ؛ حيث أصابته الغفلة بأن ذلك الزواج إنما هو مصيره إلى الفشل لأنه زواجًا باطلًا بكل المقاييس الدينية والاجتماعية والقانونية .

لقد تجبرّ الأب ونسى تعاليم الشريعة ، التي تقول أن الزواج لابد وأن ينال القبول من الطرفين معًا ؛ ولا يجوز مُطلقًا إكراه الفتاة على الزواج مهمة كانت الأسباب ، لأن ذلك يؤدي إلى بطلان الزواج وعدم جوازه .

ارتكب الأب خطأين عظيمين بحق ابنته المسكينة ؛ حيث قام بخداعها وتقديم شاب صغير السن على أنه سيكون زوجها ؛ وذلك يُعتبر غشًا بينًا يخالف الشريعة الإسلامية أيضًا ؛ والخطأ الثاني هو عقد قرانها على رجل عجوز تخطى الثمانين من عمره .

عقدت هيئة المحكمة جلسة للنطق بالحكم في قضية الفتاة ؛ والتي فصلت فيها ببطلان ذلك الزواج الذي تم بصورة مخادعة ؛ كما أمرت هيئة القضاء بإعادة المهر إلى الرجل العجوز ؛ ولكن اكتشفت الهيئة أن الفتاة لم تحصل على مهر حتى ذلك الوقت الذي عُقدت فيه الجلسة .

استطاعت الفتاة أن تنجو من قبضة ذلك الزواج الفاشل ؛ والذي حولّ حياتها إلى جحيم بعد أن اكتشفت خدعة والدها الكبرى ، ومن المأمول أن يتعلم والدها من ذلك الموقف ؛ وألا يعيد تكرار ذلك الذنب العظيم بحق ابنته ؛ التي وهبه الله إياها كأمانة ؛ لابد أن يحافظ عليها .

By Lars