عاد نزار من المدرسة وجهه شاحب وعيناه تمتلئان بالدموع ، فقد رفع ألأستاذه صوته وطالبه بدفع ثمن تلك الحصص الزائدة التي يأخذها نزار لديه ، ناعيتًا إياه بأنه ابن اللص وأنهم يخفون المال !

كانت تلك هي القصة اليومية لنزار المراهق ، والتي يسمعها يوميًا على خلفية إلقاء القبض على والده في قضية سرقة ، أو بمعنى أصح اختلاس أموال من الشركة الخاصة التي يعمل بها ، فترقرقت الدموع في عيني المراهق أمام زملائه الذين لا ينفكون أن يعيروه بما حدث لوالده دون رحمة .

اتجه نزار صوب منزله ، ليسمع صوت إحدى السيدات تصرخ من داخل منزله ، وهي تقول إذا لم تكونين جيدة في عملك ، فلا يحق لك طلب المال من الأساس ، وأنا لن أرتدي ما قمتي بعمله فهو بعيد كل البعد عما أردته ولن أدفع لك قرشًا واحدًا .

دخل نزار لتنظر إليه المرأة بقسوة ، ثم تبعده بيدها وتخرج مسرعة وتغلق الباب خلفها بقوة ، فسأل نزار والدته عن السيدة فقالت له أنها إحدى زبائنها اللاتي تتعامل معهن ، وبسؤالها عن سبب ثورتها قالت له ولدته أنها تدعي بأن الموديل ليس كما طلبته ، حتى لا تدفع لها ثمن العمل ، وسألته عما به ؟ فقد كان يبدو متجهمًا ، ولكن نزار قال أنه بخير .

جلس نزار إلى جوار والدته يتناولان الغداء البسيط ، فسألته أمه عما ألم به ، فطلب منها السماح له بعدم الذهاب إلى المدرسة مرة أخرى ، فهو يكره تلك المدرسة وزملائه ومعلّميه وكل من يتعامل معهم بها ، وعندما وجدته أمه بهذا لوضع سألته عما حدث ، فروى لها ما يتعرض له يوميًا من إذلال وإهانة جراء ما أصاب والده ، وأنه دائمًا ما ينعت بابن اللص ، ويتم تعييره بفقره ، وأنه ووالدته يرقدان على الأموال المنهوبة حتى تهدأ عنهم أعين المخبرين ، ثم انطلق صوب غرفته ودفن رأسه بالفراش ليجهش بالبكاء المرير .

ذهبت الأم إلى نزار وطيبت خاطره قائلة ، أنها مجرد تلك السنة الدراسية فقط ، وسوف يلتحق بالجامعة ليستطيع كسب عيشه ويستطيعان المعيشة ، وإذا كان لديها المال ما كانت عملت بالخياطة لتوفير المال ، وطالبته بعدم الالتفات لما يقال حوله بشأن أبيه ، فكلاهما يعلم أنه رجل نظيف اليد .

وقالت له والدته بأنها سوف تذهب إلى رمزي صديق والده ، وتطلب منه إمدادهم ببعض المال ليعينهم على الحياة ، ولكن نزار رفض وقال أنه هذا الرجل الطيب قد أقرضهم الكثير ولن يستطيعوا السداد ، فقالت له أمه أنهما مضطران لذلك ، حتى يستطيع الالتحاق بالدروس وإنهاء دراسته ، بالإضافة إلى أن والده قد وقف إلى جانب رمزي قديمًا .

خرج نزار يتجول بالشارع هائمًا على وجهه ، حتى جلس على الرصيف يفكر فيما آل إليه حاله ، وظل هكذا محتضنًا ساقيه ويبكي بشدة ، وفكر قليلاً واتخذ قراره بأن يستذكر جيدًا ، حتى يستطيع الفوز بالشهادة الجامعية والعمل وكسب المال الوفير .

عاد نزار إلى المنزل فلم يجد أمه ، جلس ينتظرها بردهة المنزل قرابة الساعة ولكنها لم تعد ، سرى القلق في نفس نزار ونهض ليبحث عنها ، ولكنه ما أن فتح باب المنزل حتى وجد أمامه بعض رجال الشرطة ، يسألونه إن كان هو نزار فأجاب أن نعم ، فقالوا له أنه يجب أن يهذب معهم إلى المخفر !

ذهب نزار وهو يفكر بقلق عما حدث ، وعندما وصل اجتمع معه المأمور ليخبره بأن أمه قتلت شخصاً ما وأنها محتجزة لديهم وترغب في رؤيته ، هبطت الكلمات كالصاعقة على رأس نزار ، وما لبث دقائق حتى أخذوه إلى والدته ، وام أن التقاها حتى تسمر في مكانه فقد كانت يداها وثيابها ملطخة بالدماء ، في مشهد صاعق له ولا يحتمل الشك فيما سمع .

أجلسته أمه وقالت له أريدك أن تستمع إلي جيدًا نزار ، أنا من أسرة فقيرة وكنت فتاة لاهية لا أرغب سوى في الحياة المرفهة التي هي بعيدة كل البعد عن ظروف أسرتي ، كنت أحلم بالثياب الكثيرة والسفر والرحلات ، وبالطبع عندما تقدم والدك لخطبتي رأيت فيه بابًا لتحقيق أحلامي ، على الرغم من فارق السن بيننا .

فقد كان يملك بيتًا لنفسه ووظيفة حكومية ، وشعرت بأنني سأحقق أحلامي ، إلا أنني وجدت الواقع مختلفًا ، فالأمر لم يختلف كثيرًا عما عشته بمنزل أسرتي ، بل زادت عليه المسؤولية ، هنا بدأت أتململ ولكني جاهدت حتى لا أهدم البيت خاصة وأنني كنت قد أصبحت أمًا .

كان لوالدك صديق يدعى رمزي ، مختلف عنه فهو دائم التطلع للأفضل والتحرك والسعي ، في حين يجلس والدك يكفي قوت يومه فقط ، أقنعت رمزي بأن يساعد والدك في الحصول على وظيفة أفضل ، وبالفعل تحدث رمزي إلى بعض الأصدقاء وجاء لوالدك بوظيفته أمين مخازن في الشركة التي ألقي القبض عليه فيها ، وكان راتبه ضعف راتب الحكومة ولكن كانت أحلامي أكبر ، أردت تغيير لمنزل والأثاث والثياب وكل شيئ ، لكني لم أستطيع فالراتب بالكاد يكفينا .

في هذا الوقت تقرب مني رمزي كثيرًا ، وعلم نقطة ضعفي وأخذ يلعب عليها ، فكان يسمعني أفضل الكلمات وأعذبها ويتغزل بأنوثتي ، حتى وقعت في شباكه وخنت والدك ، نعم خنته مع عمك رمزي الذي كنت تقول عنه بأنه طيب .

اتفق مع رمزي بأن أجلب له مفتاح الخزانة لدى الشركة التي يعمل بها والدك ، وصنع منها نسخة أخرى وزار والدك عدة مرات ليعلم تفاصيل المكان ، ثم أعد الخطة وقامت بالاختلاس بمساعدتي ، وبالطبع تم اتهام والدك نظرًا لأنه الوحيد الذي يملك نسخة من المفتاح ، وزج به في السجن .

لم أستفق ما فعلت سوى بعد أن ابتعد رمزي ، وظل يماطل في منحي الأموال التي اتفق معي عليها منذ البداية ، وكان قد وعدني بالهروب بعيدًا برفقته والزواج ، ولكن كل ذلك ذهب هباء ، وعندما أتيت أنت تشكو من سوء المعاملة ، ذهبت إليه عازمة على أخذ حقي ، فتنكر لي وقال أنه لا يملك لي شيئًا ، فهددته بالقتل فسخر مني ، فذهبت إلى غرفة الطهي ، وأتيت بالسكين وقتلته ، وتخلصت من ذنبي وغسلت ما اقترفته يداي من جرم .

عقب ذلك خرج والد نزار من محبسه ، وقد عزم أن يأخذ ابنه إلى مكان بعيد لا يعرفه فيهما أحد ، ليبدآ حياتهما من جديد ، وكان نزار قد ضاق ذرعًا بالفعل  فحملا أغراضهما ، وطلب منه والده أن ينتظره ريثما يعود من أحد الأماكن .

قصد والد نزار شقة صغيرة في حي فقير ، كان قد اتخذها هو ورمزي أثناء سجنهما مرتعًا لهما ، وعاشا بها سويًا ولكنهما تركاها منذ زمن بعيد ، وفكر والد نزار بأن رمزي إذا أراد أن يخفي المال فلن يخفيه سوى في هذا المكان ، خاصة وأن الشرطة لم تعثر على المال عقب وفاة رمزي ، وتمت تبرئة والد نزار .

ظل الرجل يبحث يمينًا ويسارًا حتى وجد المال ، حمله وشق باطن حقيبة سفره ، ليضع بها المال جيدًا ، ثم يخيطها بعناية ويضع فوقها الملابس ، وعاد إلى المنزل ليأخذ نزار وينطلق معه ، لحياة جديدة عزم أن يجعلها أفضل 

By Lars