في دمشق يوجد مسجد كبير يعرف بجامع التوبة ، وعُرف بهذا الاسم لأنه كان فيما سبق خاناً ترتكب فيه كل أنواع المعاصي ، ولما اشتراه أحد الملوك في القرن السابع الهجري ، هدمه وحوله مسجدًا كبيرًا ، وهو مسجد مبارك يرتاح به كل من دخله ، فكان يعج دائمًا بحلقات الدرس ، وأعلام الشيوخ .

وكان فيه منذ نحو سبعين سنة شيخ جليل يدرس لطلبة العلم الشرعي ، وهو الشيخ سليم السيوطي ، وكان أهل الحي يثقون به ويأخذون بقوله في أمور دينهم ودنياهم ، وكان هناك طالب علم يدرس على يد الشيخ ، ضُرب به المثل في الإباء وعزة النفس رغم فقره الشديد ، وكان هذا الطالب يسكن في غرفة بالمسجد ، وحدث أن مرّ عليه يومان لم يأكل فيهما شيئاً .

ولم يكن عنده ما يطعمه أو يشتري به طعاماً ، فلما أدركه اليوم الثالث أحس بأنه على شفا حفرة من الموت ، وأخذ يفكر فيما يصنع ليروي ظمأه إلى الطعام ، ورأى أنه قد بلغ حدّ الاضطرار الذي يبيح له أكل الميتة أو السرقة على قدر الحاجة ، وفكر أن يسرق ما ينجيه من خطر الموت ويصلب جسده .

ولأن المسجد كان يقع في حيّ من الأحياء القديمة ، كانت البيوت متلاصقة والسطوح متصلة ببعضها البعض لدرجة أن المرء يستطيع أن ينتقل من أول الحي إلى آخره مشيًا على السطوح ، فصعد الطالب إلى سطح المسجد وأخذ ينتقل منه إلى الدار التي تليه ثم التي بعدها ، وبينما هو سائر لمح بها نساء فغض من بصره وابتعد .

ووقع بصره على دار خالية وشمّ رائحة الطبخ تخرج منها ، فلم يدري بنفسه من الجوع إلا وهو على سطحها ، وكانت الدار من طابق واحد ، فقفز قفزتين من السطح إلى الشرفة ، وأصبح بعدها في الدار ، وأخذ يتتبع الرائحة حتى وصل إلى المطبخ ، وهناك كشف غطاء القدر ، ورأى بها باذنجاناً محشواً ، فأخذ واحدة ، ولم يعني من شدة الجوع بسخونتها ، فقضم منها قطعة ، ولما قارب على بلعها ارتد إليه عقله ودينه .

وقال لنفسه : أعوذ بالله العظيم ، كيف أفعل هذا وأنا طالب علم بالمسجد ! ، هل وصل بي الحال إلى أن أقتحم المنازل وأسرق ما فيها ؟ وكبر عليه ما فعل ، وندم كثيرًا واستغفر الله سبحانه وتعالى ، وأعاد الباذنجانة  إلى القدر ، ومضى إلى حال سبيله ، ونزل إلى المسجد لعله ينسى الجوع .

وبينما هو جالس في حلقة الشيخ لا يكاد يفهم شيئًا من شدة الجوع ، دخلت امرأة مستترة بعد انتهاء الدرس وانصراف الحضور وكلمت الشيخ بكلام لم يسمعه ، فتلفت الشيخ حوله فلم يرى غير هذا الطالب الذي يعاني ويلات الجوع ، فدعاه وقال له : هل أنت متزوج ؟ فقال : لا ، فسأله إن كان يريد الزواج ؟ فسكت .

فأعاد عليه الشيخ السؤال ثانية ؟ فقال : يا سيدي والله ما عندي ثمن رغيف أقتات به فلماذا أتزوج ؟ فقال الشيخ : خبرتني هذه المرأة أن زوجها قد توفي وهي غريبة عن هذا البلد ، ليس لها أحد من الأقارب سوى عم عجوز قد جاء معها ، وأشار الشيخ إليه ثم أكمل قائلًا : وقد ورثت عن زوجها دارًا ومعاشًا تعيش منه ، وهي تحب أن تجد رجلاً يتزوجها على سنة الله ورسوله ، حتى لا تبقى منفردة ، فيطمع بها الأشرار .

فهل تود أن تتزوج بها ؟ فقال الشاب الجائع : نعم ، وسألها الشيخ إن كانت تقبل به زوجًا ؟ ، فقالت هي الأخرى : نعم ، فدعا الشيخ بعمها ودعا بشاهدين آخرين ، وعقد زواجهما ، ودفع المهر عن الطالب ، ثم قال له : خذ بيد زوجتك وانصرف معها ، ولما خرجا قادته إلى بيتها ، وحينما دخلا كشفت عن وجهها فرأى فيها شباباً وجمالاً كما لم يرى من قبل .

والعجيب في الأمر كان عندما رأى البيت ، فهو نفس البيت الذي نزله وهو جائع يبحث عن طعام ، ولما سألته هل تأكل ؟ قال : نعم ، فكشفت غطاء القدر ، ولما رأت الباذنجانة المقضومة قالت : عجباً من دخل الدار فعضها ؟؟ حينها بكى الشاب  وقص عليها ما حدث فقالت له : تلك ثمرة الأمانة ، فحينما عففت عن الباذنجانة الحرام ، أعطاك الله الدار كلها وصاحبتها بالحلال .

By Lars