تذخر بيئتنا العربية بالعديد من القصص الشعبية ، التي ترسخت في وجداننا منذ الطفولة ، ولعل أغلبها يتشابه بيننا في الوطن العربي ، الذي يمثل لنا جميعًا ، ملجأ واحدًا بكافة ما به من أفكار ومعتقدات وحتى القصص الشعبية.
عائشة :
صبية صغيرة وحيدة لأبيها وأمها ، عرفت عائشة بأنها ابنة الحوات أي الذي يبيع الحوت ، وكانت تعيش عائشة في منزل متواضع مع والديها ، حيث يخرج والدها لبيع الحوت ، بينما تنطلق أمها للعمل في الحقول بأجر حتى يستطيعوا العيش.
كانت لعائشة جارة أرملة ، تلك السيدة بغيضة الطباع التي أرادت الاستيلاء على والد عائشة ، وأن تتزوجه بدلاً من زوجته ، ولما علمت بشغف عائشة الشديد للمجوهرات والأشياء والثياب الثمينة ، أغرتها السيدة بثوب مطرز من الأحجار الكريمة باهظة الثمن .
لمعت عينا عائشة عندما رأت الثوب الباهظ ، وظنت أن أحد أحلامها بامتلاك ثوب مثل هذا قد تحقق ، ولكن السيدة الأرملة اشترطت عليها أمر ما حتى تنال لثوب ، وانصاعت عائشة لرغباتها.
الجريمة
ذهبت أم عائشة للعمل بالحقل مثلما اعتادت أن تفعل ، وبحلول الليل أرادت أم عائشة أن ترتوي ببضع قطرات من الماء ، ولكنها عندما ذهبت لتشرب من مياه البئر وجدت فيه عقربًا فلم تشرب ، وحمدت الله أنها قد رأته قبل أن تتسمم.
لم تمر بضعة أيام على ما حدث ، حتى سقطت أم عائشة صريعة تحارب الموت في ألم ، حيث لدغها ثعبان ما عقب عودتها من العمل ، وأوصت أم عائشة وهي على فراش الموت زوجها بألا يتزوج بعدها حتى تستطع عائشة أن تتحمل المسئولية.
الوجه الآخر
ماتت أم عائشة وحاولت عائشة إقناع أبيها بالزواج من جارتها الأرملة ، ولكنه رفض إعمالاً بوصية زوجته الراحلة ، وكان الحوات يأتي كل يوم إلى منزله ليجده مرتبًا ونظيفًا وقد تم الاعتناء به جيدًا ، بالإضافة إلى إعداد الطعام النظيف .
ومع القليل من الإلحاح ظن الرجل أن ابنته قد بدأت في تحمل المسئولية بالفعل ، وأنه قد آن له الزواج ، وبالطبع لم يجد أفضل من جارته الأرملة مع ترشيح عائشة لها.
تزوج الحوات من جارته ، وما أن وجدت عائشة نفسها قد نفذت كل الشروط وذهبت لتأخذ مكافأتها ، حتى فوجئت بجارتها وقد أبدت وجهها الحقيقي نحوها ، وصفعتها بقوة قائلة لها كيف يمكنك أن تظنين بأنك ستحصلين على ثوب باهظ كهذا ، فقيمتك أنت شخصيًا لا تضاهي مثل ثمن هذا الثوب ، وأنت خائنة وكاذبة وغير أمينة.
ارتبكت عائشة وأخذت تبكي ، وقد أدركت الفخ الذي قد وقعت فيه ، وندمت عما فعلته تجاه أمها الراحلة وأبيها ، والذي لم يكن يدري القسوة التي تعاملها بها زوجة أبيها ، فهي من رشحتها للزواج منها ، هنا قررت عائشة التخلي عن المنزل والانصراف بعيدًا حتى تهرب من جحيم زوجة أبيها المستعر .
الغولة :
انطلقت عائشة إلى الغابة وظلت بها ، حتى وجدت راعي فأخبرته أنها بحاجة للطعام ، فقال لها أن منزل الغولة قريب ، ولكن عليها أن تنظر إلى حالها فإذا رأتها وقد علا وجهها السواد واحمرت عيناها فسوف تأكلها ، ولكن إن وجدتها قد ابيضت وعيناها مثلنا فلتذهب إليها ولتطلب منها ما تريد.
بالفعل ترقبت عائشة الغولة وما أن وجدتها قد صلح حالها حتى ذهبت إليها ، وطلبت منها الحصول على بعض الماء ، استضافتها الغولة وسقتها وأطعمتها وقالت لها أن تذهب إلى البئر المجاور لها لتأتيها ببعض الماء.
ذهبت عائشة للبئر لتجد بجواره سبعة نساء لهن نفس الطول والشكل ، وطلبن منها أن تسقيهن فاسقين عائشة قبل أن تشرب هي ، فقلن لها أنه كان اختبار لها ونجحت فيه لرقة قلبها ، وأنهن سوف يكن بجوارها إذا اشتدت عليها الكرب ، عادت عائشة للغولة لتشكرها ولكنها أخبرتها بقدوم أبنائها وأنهم سوف يأكلونها إذا ما رأوها ، وجعلتها تختبئ داخل صندوق.
دخل أبناء الغولة إلى المنزل ، وقال أحدهم أنه يشم رائحة بشر فنفت والدته ذلك ، ولكن أنفاس عائشة المتلاحقة جعلتهم يقوموا ليبحثوا في أرجاء المكان ، وما أن اقتربوا من الصندوق وفتحوه حتى وجدوا طائرًا ميتًا تفوح رائحته ، في نفس الوقت ، فرت عائشة لتعود إلى منزل أبيها وهي تشكر السيدات اللاتي أنقذنها من أبناء الغولة ، وهي لا تدري أنها قد عادت إلى جحيم مقيم في ظل صمت والدها.
زواج عائشة :
كانت هناك امرأة تسكن بالبلدة وكان قد عرف عنها أنها أنجبت طفلاً على هيئة ثعبان ، وبالطبع جعل هذا الأمر الناس يتجنبونها كثيرًا ، وما أن صار ابنها شابًا حتى بدأت تبحث له عن عروس ، متناسية هيئته البغيضة وهنا أقبلت عليها زوجة أبيها وهي تجر عائشة إلى منزل أم الثعبان جرًا ، وعرضتها زوجة له وسط بكاء ونحيب أهل القرية.
جلست عائشة تبكي وهي تعلم أن تلك نهايتها وسوف يأكلها الثعبان ، ولكنها وجدت السيدات اللاتي حمينها من أبناء الغولة يطمئنها بشأن زيجتها وأنها سوف تكون البداية لها ، وليست النهاية .
أتى الرجل الثعبان ومثله مثل ما نعرف من لعنات ، لكل لعنة ترياق وكان ترياق الرجل الثعبان هو الزواج من فتاة جميلة يدق لها قلبه ، وبالفعل عندما رأى الثعبان عائشة إذا به يتحول إلى شاب مفتول العضلات وقوي البنية وجميل الطلعة ، وعاشت عائشة في كنفه حياة رغدة وسعيدة ، لم تطلب شيئًا إلا وتم تنفيذه.
ظلت النيران تحرق قلب زوجة أبيها ، فذهبت إليها وهي تدعي الندم عما فعلته بحقها ، وأقنعتها أنها تريد أن تفتح معها صفحة جديدة وتنضم إليها في وليمة أعدتها لها بنفسها ، فوافقت عائشة بعد أن سامحتها وسط قلق أم زوجها ، الذي كان قد تركها بصحبتها حتى يفرغ من عمله.
انطلقت زوجة الحوات بعائشة على ظهر حمارها ، حتى وصلت إلى خارج القرية نحو أرض قاحلة لا بشر فيها ، وتركتها وعادت إلى القرية وحدها مع ابتسامة خبيثة ، ظلت عائشة جالسة أرضًا تبكي وهي لا تدري ما تفعل ، ولمحت سحليتان تتقاتلان حتى قتلت إحداهما الأخرى ، وهنا كانت عائشة قد شعرت بالجوع فمدت يدها والتقطت بعض الحشائش ومضغتها ، فسقط من بين شفتيها بعض اللعاب على السحلية المقتولة ، فانتفضت الأخيرة وهي حية مرة أخرى!
نامت عائشة قليلاً ثم استيقظت ، لتجد نفسها بالقرب من أحد الكهوف فدخلت إليه لتجد رجلاً يرقد على الأرض وكان مطعونًا في قلبه ، فمضغت بعض الحشائش وأسقطت لعابها على قلبه ، فإذا به ينتفض من مرقده ، وروت له عائشة قصتها ، فحملها معه إلى منزله وتزوجها .
مرت أيام وإذا بعائشة تسمع أحد الباعة ينادي على بضاعة من الثياب المطرزة والحلى ، ولطالما كان شغف عائشة بتلك الأشياء وعندما خرجت لتشتري منه ، فإذا به زوجها الذي كان ثعبانًا ، هنا توقف زوجها الذي أيقظته وتشاجر معه قائلاً أنها من أيقظته ، في حين قال الآخر أنها هي من خلصته من لعنته.
جاءت السيدات السبع اللاتي أنقذنها سابقًا ، ليوقفن هذا الشجار وقلن جمال عائشة سوف يكون جمالين ، وعائشة سوف تصبح عائشتين ، وانتهت القصة بعيش الجميع في رغد وهناء.