كان اسم اريك فان لو ذائع السيط وملء الأسماع ، حيث أنه كان أستاذ في الطب الباطني متمكن خبير في شتى نواحيه ، له عين نافذة وعقل واضح منظم ، يضاف إلى ذلك أنه كان رجل قريب إلى قلوب الناس ، وذات يوم دخل مريض إلى عيادة الطبيب رجل في العقد الثالث من عمره ، وكان شاحب الوجه يشكو على ما يبدو ، وكانت يداه ورأسه يرتجفان ، وكان فمه الناعم الذي يشبه فم الفتيات تعلوه ابتسامة ، ولكن حركته كانت تثير القلق .
حين سألته الممرضة عن اسمه قال لها : قولي للطبيب إنني مريض ، فأجابته الممرضة بالتأكيد فكل من يحضر هنا مريض ولكني في حاجة أن أعرف اسمك ، فأجابها وهو يبتسم أليس الأستاذ طبيبًا أي أنه يغيث الملهوف ، كفت الممرضة عن الابتسام ، ورأت المريض ربما يشكو من شيئًا قد أثر على عقله ، فدخلت إلى غرفة الطبيب وأخبرته عن المريض .
فقال لها الطبيب لا تتصدي أيتها الممرضة ، إذا كان المريض يريد إخفاء اسمه فليكن ، وإذا كان يتصرف تصرفًا معقولًا فاطلبي منه الجلوس .
كانت عيادة الطبيب مزدحمة ، فاضطر المريض أن ينتظر قرابة الثلاث ساعات ، وظل في مقعدة بجانب النافذة وهو يحملق إلى الحائط ويبتسم ، دون حتى أن يلتقط جريدة لتسليه ، وشعرت الممرضة أنه غريب الأطوار وبعد أن مرت ساعة ذهبت إلى الطبيب وهمست في أذنه يا أستاذ إنه يبدو غريبًا ، وكان الطبيب قد نسي أمره ، فسألها : من ؟ ، فقالت له الشخص الذي لا يريد ذكر اسمه ، فانفعل الطبيب لأنه كان مشغولًا في التشخيص ، فخرجت الممرضة مسرعة .
حان دور المريض فنهض مسرعًا إلى غرفة الطبيب ، قال له الطبيب ما هي أعراض مرضك ؟ ، فقال المريض ليس لمرضي أعراض ، فكر الطبيب برهة ثم طلب من المريض أن يتقدم إلى غرفة الكشف ، وحين فحصه وجده سليمًا .
فكر الطبيب أن يتحدث مع المريض لعله يقف على سبب تعبه فسأله هل أنت متزوج ، قال له المريض بل أرمل ، أستوضح الطبيب أكثر ، فعرف أن الزوجة المتوفية لم تتجاوز العشرين ، وأن المريض في السادسة والعشرين ، وأن الزوجة قد انتحرت بالغاز .
رأى الطبيب ألا يسترسل أكثر في الحديث عن المأساة لأنه ليس طبيبًا نفسيًا ، وشرع في كتابة بعض المهدئات للمريض ، وسأله أليس هناك من يعني بك ، رد المريض فلتعنى بي أنت ألست طبيبًا ، قال الطبيب ربما يسري عنك أن تحيطني علمًا بظروف المأساة ، شعر الطبيب بعدم الرغبة في الاسترسال في الكلام ولكنه كان قد سأل السؤال ولا سيل للتراجع .
أجاب المريض في هدوء إنها مسألة عادية جدًا وقد ترى أنك سمعت مثلها مئات المرات ، أحس الطبيب أن هذا المريض مجنونًا لأنه يجد وفاة زوجته أمرًا عاديًا ، اندهش الطبيب أكثر عندما علم أن الزوجة لم يمر على وفاتها أكثر من يومين .
لكنه بعد أن سمع قصة المريض زال اندهاشه ، قال المريض لقد غبت عن المنزل لفترة ، فتعرفت زوجتي على شخصًا أخر وأحبته ، شخص مرموق وذو مكانة في المجتمع ، ولكنه تركها ، فهو لم يكن له حاجة بها منذ البداية ، فهو يمكنه أن يتعرف على الكثير غيرها ، وحين عدت إلى المنزل أخبرتني بكل ما حدث ، في البداية شعرت بالغضب ، وتركت المنزل وقررت أن أذهب إليه .
حين وصلت إلى منزله ، لم أقوى على الصعود فذهبت إلى أحد الفنادق وتركتها لتشعر بالندم والحسرة وحدها ، وفي اليوم التالي حاولت مجددًا ولم أستطيع أيضًا ، أما اليوم فقد قررت الصعود وها وأنا الآن أقف أمامه ، والآن أجبني هل تستطيع أن تشفيني أيها الطبيب ؟!