ركن عبد الله شاحنته المحملة بالفاكهة ، بجوار شاحنة حملت بأكياس من القمح والشعير ، وكانت الحركة نشيطة في ذلك اليوم لكونه السوق الأسبوعي ، حيث يأتي متسوقون من القرى ، والبلدان المجاورة للتسوق .
وفي السوق علت أصوات الباعة ، وتداخلت أصواتهم وامتلأ السوق من الفلاحين ، المحلين الذين آتوا يعرضون ، منتجاتهم بكميات كبيرة ، والعارفون بها يتهافتون عليها لشرائها ، مضى عبد الله إلى المقهى الذي اعتاده ، منذ سنوات على أن يأت منه ببراد شاي ، يتناوله قبل البدء في عملية البيع ، وهو يعلم أن الساعات الأولى من السوق الأسبوعي لا يخصصها المتسوقون ، لشراء الفاكهة ولكنه ظل مطمئن بأن فاكهته ، تلك ستباع كلها ولن يبقى منها سوى القليل .
وضع عبد الله كوباً من الشاي ، ثم جلس ورفع صوته منادياً ببضاعته ، ولم يكن يوم السوق ذاك يختلف عن سابقه ، ويعرف العديد من الناس عبد الله ، الذي يبيع بضاعته في ذلك السوق ، منذ سنوات وجاء الشاب الذي يساعده ، ونصب ميزان على صندوق خشبي ووضع عليه ، بعض الأثقال التي تعبر عن أوزان محددة وصخرة هو وحده يعلم وزنها .
بعد ساعات أتى رجل ، واختار بعض الفاكهة فأمر عبد الله مساعده ، أن يزنها وقبل أن ينطق بما وزنت ، فاجئه الرجل قائلًا : كم تزن تلك الصخرة ؟ ، فأجابه عبد الله : إنها تزن ما يعادل كيلو جرام ، ولكن فاجئه الرجل عندما أخبره بأنه لا يثق فيما يقول ، وأنه يفضل أن يتم وزن الفاكهة بالأوزان القانونية المتداولة.
فرد عبد الله قائلاً : يا أخي ، لقد قلت لك أن تلك الصخرة تزن ما يعادل الكيلو جرام ، ولكن الرجل شك في ذلك ، فرفض عبد الله أن يبتاع له الفاكهة ، فرد الرجل : لا ، بل ستبيعني الفاكهة وستزنه بالأوزان القانونية فقط ، فأنا لا أعترف بحجرك هذا .
واشتد الجدال وتوقف عدد من المتسوقين ، مترقبين نهاية ذلك الجدال بل تدخل بعض التجار في محاولة لتهدئة الامور ، وفي النهاية انصرف الرجل دون أن يشتري الفاكهة ، وعند اقتراب العصر كان أغلب التجار يجمعون ، ما تبقي من بضاعتهم استعداداً للرحيل وكاد السوق أن ينفض .
لم يكن في شاحنة عبد الله الكثير من الفاكهة ، ولولا تلك اللحظات من الغضب لباعها كلها وغادر عبد الله ، السوق وكان برفقته مساعده ، وعندما أقترب عبد الله بشاحنته من الجسر لاحظ وجود ، سيارة متوقفة على جانب الطريق ، وكان الوقت يقترب ، من المغرب ولم يكن هناك أحداً .
ولما صار بمحاذاتها لم يظهر له أحداً ، ولما أقترب من الجسر كانت الشاحنة في حدها الأدنى وفجأة ، سمع صوت حجراً يرتطم بشاحنته ، فضغط على الفرامل للتوقف الفوري ولكن صخرة ثانية ، ارتطمت بزجاج الشاحنة الأمامي ، وتهشم الزجاج بشكل عنكبوتي ، وطوال السنوات الماضية لم يتعرض عبد الله ، لأي أذى في ذل الطريق من قبل .
توقفت الشاحنة ونزل عبد الله ، يحاول رؤية من ألقى بالحجرين خاصة والسيارة التي تجاوزها مازالت مكانها على بعد حوالي عشرين متراً ، ولم يرى أي حركة من حولها والسكون يعم المكان ، وسمع عبد الله صفيراً وجاء الشاب الذي يساعده ، في تجارته ووقف بجانبه ثم جاء حجراً ثالثاً على الشاحنة ، فعلم عبد الله أن هناك من يستهدفهم .
وفجأة ظهر ثلاثة أشخاص من جانب الطريق ، قد خرجوا من بين الأشجار منظرهم لا يطمئن ، فدعي عبد الله مساعده لركوب الشاحنة مسرعاً ، وانطلق وحاول عبد الله أن يبعد عنهم ، حتى صار على بعد نحو كيلو متراً منهم ، ثم قرر التوقف وفي ذلك الطريق ، لم يجرأ أحد من قبل على مهاجمته .
توقف عبد الله لإزالة الزجاج المتهشم ، حتى يتمكن من القيادة ورؤية الطريق بوضوح ، وأثناء قيادته وقبل أن يستأنف الطريق ، لاحظ عبد الله سيارة قادمة أضواءها كثيفة ، وتبدو مسرعة فقرر آلا يتوقف ، وانطلق بشاحنته بأقصى سرعة متحملاً ، برودة الهواء النافذ عبر الزجاج المتهشم .
وظل عبد الله يفكر فلم يكن لديه أي خلافات او أعداء ، تدفع أحدهم للتربص له ولكنه ذكره مساعده بذلك الرجل ، الذي تشاجر معه في ذلك الصباح ، وأكمل عبد الله طريقه ومال على أحد التجار ، والذي قد طلب من عبد الله إحضار بعض صناديق الفاكهة ، له وعندما توقف رأى مرة أخرى للسيارة التي تحاول اللحاق به .
ودخل عبد الله منزل ذلك التاجر ، وأخبره عما حدث معه فنهض صديقه التاجر ، وطلب منه أن يخرج معه لمعاينة تلك السيارة ، التي تلاحقه فأركبه معه وانطلق وكانت السيارة هناك تتربص لخروجه ، فأخرج صديقه ورقة وقلم ودون الأرقام الموجودة ، على اللوح المعدني وطمئنه بأنه سيتوصل إلى صاحبها .
دق التاجر لأحد أقاربه وأبلغه بأرقام تلك السيارة ، وطلب منه التوصل لصاحبها وبعد تحريات أخبره قريبه بأن ، تلك الأرقام التي تحملها السيارة ، هى أرقام زائفة وتعود إلى أرقام سيارة تحطمت في حادث سير ، ولم تعد صالحة للاستعمال ، وألقت الشرطة القبض على صاحب السيارة ، والذي ادعى أنه اشتراها من متاجر السيارات المستعملة .
ولكن كانت المعلومات المسجلة ، تفيد بأن السيارة في ملكه منذ عدة سنوات ، وأنه يتعمد وضع لوحات معدنية زائفة ، بل وسرعان ما تبين من التحريات أنه رجل يدعى الحماص ، ذوي سوابق .
ويرتكز نشاطه على سرقة السيارات والشاحنات ، وأعترف بأن مجموعته المعاونة ، له هي من ألقت بالحجارة ، على شاحنه عبد الله لسرقتها وعند تقديمهم للشرطة ، كان في ملفهم ما يكفي من حجج واعترافات ، لتوقيع العقوبة عليهم .