(هذه ثمرة توت ، فقد كنت أتوحم عليه وأنا حامل) ، هكذا قالت الأم للضيوف الذين تسألوا عن سر تلك العلامة البنفسجية على خد الرضيعة ، فكانت الأم قد أسمتها نصرة لكن الجميع كان يناديها توتة بسبب العلامة الموجودة على خدها الأيمن ، حتى نسيت أسمها الحقيقي .

ولم يكن أهل توتة من ذوي اليسار حتى يغطي ذلك على وجهها ، أو تتمكن من عمل إحدى عمليات التجميل الباهظة الثمن ، ولم يكن أما توتة إلى العمل لتكسب قوتها ، إذ أنها لم يكن لديها أمل أن تتزوج يوما وتكون أسرة ، فمن ذا الذي يمكن أن يرضي بها وهي لا تملك مالًا ولا جمالًا .

حاولت توتة شق طريق العلم لكن الفقر منعها من استكماله ، فاكتفت بالمراحل الأولية من التعليم وقد تركت المدرسة بعد وفاة والدها وزواج والدتها من أخر وقد بررت والدتها ذلك ، بأن والدها لم يترك لهم شيئًا ليعيشوا منه ، كما أنها لم ترزق بولد يعولها .

قطع صلة نصرة بوالدتها أتم عزلتها والتي كانت تميل إليها هربًا من واقعها ، الذي تراه في أعين المهذبين من الناس وتسمعه على ألسن السوقة ، وقد التحقت للعمل كمدرسة ، وكانت تعيش حياة كاملة داخل المدرسة تأكل فيها ، وتسكن في سكن المعلمات ، ولا تنفق من راتبها إلا القليل وتدخر الجزء الأكبر .

مر عام وفي الأجازة الصيفية توجهت نصرة ، لعيادات أحد أطباء التجميل والذي كانت قد قرأت عنه في أحد الصحف ، وبالفعل وصلت توتة إلى العيادة ، وقد قابلتها الممرضة الحسناء ، وكأن الطبيب قد وضع تلك الممرضة الحسناء لتلعب بأحلام الفتيات اللاتي يقصدن العيادة طلبًا للتخلص من عيوب خلقتهن .

فحصها الطبيب وهو كذلك وسيم ، وقد سألها عن تاريخها وتاريخ عائلتها ، ثم هز رأسه هزة الخبير ، وقال لها إن العلاج يسير ، فما إن ترقد في المستشفي بضعة أيام ، ويعمل المبضع في وجهها بضعة دقائق ، حتى ينقلب حالها من حال إلى حال ، ملأتها الفرحة والتي سرعان ما تحولت يائسًا بعد أن سمعت المبلغ الضخم الذي ستتكلفه تلك الجراحة ، فخرجت من العيادة وساقيها لا تقدران على حملها .

خرجت من المستشفى وهي تنظر إلى الناس حولها وكأنها تهم بشتمهم أو ضربهم ، لأنها تحسب أهل الأرض جميعًا سببًا في معاناتها ، الأموال تنفق وتبعثر بغير وجه حق بينما هي تضيع حياتها لأنها لا تملك المال .

كان قلبها يصرخ هنا إنسان يتعذب أيها الناس ، ولكن الناس لا تسمع تلك الصيحات ، ماذا عساها أن تفعل الآن فالمدرسة التي تعمل بها معطلة ، يجب عليها الآن أن تبحث عن مكان تقضي فيه الأجازة الصيفية .

دلها أحد الأشخاص على منزل للطالبات يمكن أن تحجز به غرفة ، فتوجهت إلى العنوان وصعدت المنزل ، كان المنزل المقصود يخص سيدة في الطابق الأخير ، ولكن نصرة لم تكن تعرف ذلك ، لذلك توقفت بالطابق الثاني وهناك شمت رائحة الدخان قد ملأت المكان ، وسمعت صوت طفلة صغيرة تستغيث .

أسرعت نصرة إلى داخل المكان دون أن تفكر بسلامتها ، فقد كان كل تفكيرها منصب على إنقاذ الطفلة قبل أن يتشوه وجهها وتعاني ما تعانيه هي لبقية حياتها ، أفاقت نصرة لتجد نفسها في غرفة من الدرجة الأولى بأحد المستشفيات ، وحين دخلت الممرضة سألتها من أحضرها إلى تلك المستشفى ، أجابت الممرضة أنه والد الفتاة التي أنقذتها ، فسألت على مصير الطفلة ، أجابت الممرضة أنه للعجب لم تصب الطفلة صاحبة الحريق الأصلي بسوء سوى حروق طفيفة ستشفى سريعًا ، أما هي المسكينة فقد أصيب وجهها بحرق تسبب في حرق جلد أحد الخدين كاملًا .

سألت نصرة عن مكان الإصابة ، أجابت الممرضة أنه الخد الأيسر وأنه يمكن أن يشفى بجراحات التجميل ، شرد عقل توته حين سمعت جراحات التجميل ، وحين زار والد الفتاة توته وجدته من الطبقة المتوسطة وليس ميسور الحال لكنه ، ولكنه أخبرها أنه على استعداد ، لدفع أي تكاليف لعلاجها لأنها أنقذت طفلته الوحيدة ، التى تبقت له بعد وفاة زوجته

حاولت نصرة إخباره عن وحمتها السابقة لكنها احجمت ، وقد فوجئت بأن الرجل يطلب منها الزواج ، وافقت نصرة على الفور ، وعاشت معهم وهي سعيدة ، وكانت في بعض الأحيان تشعر أنها استغلت ذلك الرجل الطيب ، ولكن طعم السعادة التي ذاقتها أخيرًا كان يمنعها من أن تخبره عن توتة .

By Lars