ظنت مريم أن يوم جاء الخُطاب يقرعون على بيت عائلتها يطلبون يدها ، ذلك هو أسعد يوم في حياتها إذ كانت فتاة جميلة في الواحد والعشرين من عمرها ، وكان واحد من هؤلاء الخطاب يدعى عبدالهادي ، وهو شاب في الثلاثين من عمره .
ولم يكن سرًا إنه يتزوج للمرة الثانية ، حيث تزوج من فتاة واستمر زواجهما خمسة أعوام ولأنها لم تنجب فقرر تطليقها ، ولم يرى والد مريم مانعًا من زواج ابنته لذلك الشاب ، ولم يستشر مريم .
بل إن والدها اكتفى بإبلاغ أمها بالأمر ، حيث كان لا رأي يعلو رأيه ، وكان يعلم أن مريم وهي كبرى بناته أن لم تتزوج في سنها ذاك ، لن تجد زوجًا بعد ذلك ، هكذا كان ظنه حيث جرت العادة في بلدته بزواج الفتيات في سن مبكر ، لا يتعدى العشرين ولعله وهو يوافق على تزوجيها ، لا لمس من كلام زوجته قبولها بل وفرحتها أن يأتياها عريس .
في صباح اليوم التالي كان كل سكان البلدة يعلمون بالخبر ، وبادروا بالتهنئة لوالدها بل وكان كل ما يشغل نساء البلدة هو قيمة المهر الذي تم الاتفاق عليه ، واتفق والد مريم مع عبد الهادي على أن يقام حفل الزفاف في نهاية الشهر المقبل ، وكما تقتضيه العادات توارت مريم عن الأنظار ـ حتى تفاجئ عريسها يوم الزفاف بجمال لها لم يراه من قبل .
وكانت الفتاة لا تعطي اهتمام بأن يكون والدها هو المتحكم في كل قراراتها ، وبعد أسبوعين من خطبتها تم تحرير عقد الزواج ، وتم ذلك في حفلة عشاء في منزل مريم ، وفي اليوم التالي ذهبت مريم مع والدتها وخالتها لشراء ملابس العرس ، وظلت تعد الأيام التي تفصلها عن اليوم الأسعد في حياتها يوم زفافها .
وكانت مريم تعلم إنها ستسكن في منزل عائلي يضم عائلة عبدالهادي ، وسيتم منحها غرفة ستكون عالمها الخاص ، وما دون ذلك ستشاركه مع أهل الدار ، ولم يكن في الأمر ما يثير استغراب لديها ، فقد رأت فتيات كثيرات من قبلها يتزوجن ، ويسكن في بيوت عائلات أزواجهن .
جاء اليوم الموعود وزُفت مريم أي بيت زوجها ، وبعد أيام لم تتجاوز أسبوع أمضتها مريم كالضيف في بيت عائلة عبدالهادي ، بدأت مريم تشارك بمجهودها في أعمال ذلك المنزل المشترك ، وبعد مرور أسابيع قليلة انتبهت مريم إلى أن النسوة في عائلة زوجها ، تحاولن معرفة ما أذا حملت .
ثم لما تأخر حملها صرن تتعاملن معها بقسوة لم تجد لها مبرر ، بل كثيرًا ما لمحن بأنها أن لم تنجب سيكون مصيرها كالزوجة الأولى ، ولكن كانت مريم تحب زوجها ويومًا بعد يوم يزداد تعلقها به ، ولم تكن لديها أدنى شك ، في أن زوجها عبدالهادي يبادلها نفس القدر من الحب .
ومر عام دون أن تنجب وبدأت شقيقات زوجها يدعون بأنها عاقر ولا تنجب ، وتحملت كلامهن الجارح ذلك لفترة ، ثم ذات يوم جاءت إحداهن تردد على مسامعها أسطوانة المرأة التي طلقها عبدالهادي لأنها عاقر ، يومها لم تستطيع الصبر وأوضحت أن العيب قد لا يكون فيها وأن الأمر ربما يكون عقمًا من الزوج .
يومها حكت شقيقة عبدالهادي له ما تقوله زوجته عنه ، فغضب ولم يدخل غرفتها تلك الليلة ، فعلمت مريم أن كل شيء قد أنتهى ، وفي الصباح حملت ملابسها وغادرت المنزل وعادت إلى بيت أبيها ، وظلت عدة أسابيع هناك ، ووقتها حن لوجودها عبدالهادي وشعر بأنه لا يستطيع العيش بدونها .
ذهب عبدالهادي إلى منزلها ليستردها ، ولكن رفضت مريم العودة معه قبل أن يجري فحص إنجاب لدى طبيب مختص ، وبعد أن ظهرت نتيجة التحاليل ثبت وجود عقم لدى الزوج قابل للعلاج ، وبعدها فقط عادت مريم إلى منزل زوجها ، وبعد أقل من عام خضع فيه زوجها للعلاج ، ظهرت علامات الحمل الأولى على مريم وانتقلت للعيش بمنزل منفرد لتكون حياة جديدة لها ولزوجها .