منذ شبابي وأنا أقضي وقتي كله مع أصدقائي ، نقضي الوقت في المزاح والسخرية ، كنت أنا دائمًا من يجعلهم يضحكون ، فأنا أجيد السخرية من الجميع ، حتى أني أقلد أصوات من أسخر منهم حتى أجعل سخريتي لاذعة أكثر ، في أحد الأيام كانت زوجتي حامل في شهرها التاسع ، وكنت برفقة مجموعة من أصدقائي نسهر كعادتنا .
في هذا اليوم كانت سخريتي من الجميع مضحكة للغاية ، خاصة أنني قلدت رجل أعمى كنت رأيته في السوق ظهر هذا اليوم ، وقد تعمدت أن أضع قدمي في طريقه أثناء سيره ، فتعثر ووقع على وجهه وأخذ يتلفت إلى اليسار وإلى اليمين ، وكانت ضحكتي عليه عالية للغاية تدوي في السوق كله .
حين عدت إلى المنزل قبل دقائق من صلاة الفجر وجدت زوجتي وقد بدا عليها التعب الشديد ، حين رأتني أخبرتني بأنها تعتقد أنه حان موعد ولادتها ، حملتها إلى المستشفى على الفور ، لم تلد على الفور وظلت في مرحلة المخاض إلى اليوم التالي ، تركتها وذهبت لأصدقائي ، وحين عدت وطلبت أن أطمئن عليها وعلى ولدي ، طلب مني الاستقبال أن أراجع الطبيبة المسئولة .
كنت أود أن أذهب لرؤية صغيري لكنهم أصروا على أن أراجع الطبيبة أولًا ، حين دخلت إلى الطبيبة المعالجة جلست تحدثني عن الرضا بالقضاء والقدر ، أخبرتني أن طفلي ولد بتشوه في عيني وأنه لن يتمكن من الرؤية أبدًا ، تذكرت الرجل الأعمى الذي سخرت منه وتسببت في سقوطه أرضًا .
كانت زوجتي راضية تمامًا بالقضاء والقدر ولم تكن حزينة من وضع طفلنا ، أطلقنا عليه اسم سالم ، وكان مسالم بحق ، كنت أتجنبه وأتجاهله دائمًا ، حتى حين كان يبكي كنت أترك الغرفة وأحيانًا المنزل كله ، كنت أقضي معظم أوقاتي خارج المنزل حتى أتجنب رؤيته ، كبر سالم وأنجبت أنا وزوجتي طفلين هم عمر وخالد ، وكان كلاهما أصحاء تمامًا .
كانت زوجتي دائمة الحزن لأنها تلاحظ أني أهتم بخالد وعمر ولا أهتم بسالم ، في أحد الأيام كنت أرتدي ملابسي أستعد لمقابلة أصدقائي ، تعطرت وهممت أن أخرج من المنزل وحين مررت خارجًا من غرفتي وجدت سالم يبكي بحرقة ، كان حينها عمره عشرة سنوات ، ولم أكن قد سبق ورأيته يبكي بهذه الطريقة منذ كان طفلًا .
اقتربت منه وسألته عن سبب بكاءه ، توقف عن البكاء حين سمع صوتي ، لكنه حاول أن يبعدني عنه بيديه ، وكأنه يتعجب من أني أتحدث إليه ، تركني وتوجه إلى غرفته فذهبت خلفه وحاولت أن أفهم سبب بكاءه مجددًا ، فأخبرني بأنه يبكي لأن أخيه عمر تأخر عليه واقترب موعد صلاة الجمعة ، وهو يخشى أن يتأخر عن الصلاة ولا يلحق بالصف الأول في المسجد .
احتضنته وأخبرته بأنه أنا من سيأخذه إلى المسجد اليوم ، بالفعل كان المسجد ممتلئ لكنني تمكنت من إيجاد مكان في الصف الأول لسالم ، صليت بجواره وكانت أول مرة منذ زمن أصلي فيها بالمسجد ، بعد أن انتهت الصلاة طلب مني سالم أن أناوله مصحفًا ، كنت أعلم أنه لن يرى المصحف لكنني لم أرد أن أضايقه ففعلت ما طلب .
طلب مني أن أفتح المصحف على سورة الكهف ، وبدأ يقرأ بصوت جميل ، كان حافظًا لسورة الكهف ، كان يقرأ وكنت أبكي من قلبي وعيني على حدًا سواء ، حين عدت إلى المنزل كانت زوجتي تشعر بالقلق لكن القلق تحول إلى سعادة ، حين علمت أني صليت الجمعة بالمسجد .
منذ ذلك اليوم لم أفوت صلاة في المسجد ، تركت أصدقاء السوء وتعرفت على أصدقاء أتقياء ، صرت أقرب إلى سالم ، وصار أسعد طفل وكأنه يمتلك الدنيا ، عرض علي أصدقائي السفر في رحلة للدعوة في منطقة بعيدة ، استشرت زوجتي فوافقت على الفور ، سافرت مع أصدقائي الجدد في رحلة لمدة ثلاثة شهور .
كنت أتحدث إلى زوجتي وأطفالي كل يوم ، لكني لم أستطع أبدًا أن أتحدث إلى سالم ، فقد كان في وقت اتصالي إما في المسجد أو المدرسة ، كانت الأمور طبيعية حتى أخر أسبوع من رحلتي ، كانت زوجتي تجيب بطريقة مختصرة مقتضبة ، لا يبدو في صوتها الفرح مثلما تعودت منها .
كنت أشعر بالقلق لكنني لم أفهم أي شيء من الهاتف ، حين وصلت إلى المنزل استقبلني صغيري خالد صاحب الأربعة أعوام ، وقال لي ذهب سالم إلى الجنة ، لم استوعب ما قاله خالد ، وحين رأيت زوجتي تتصنع السعادة سألتها عن سالم ، فقالت لي أن الله أسترد وديعته ، وأن قبل عودتي بأسبوعين أصيب سالم بالحمى ، ولم يستطيع الأطباء إنقاذه .
شعرت بالحزن الشديد لكنني أدركت حكمة الله مما حدث ، فقد كان سالم هدية مؤقتة من الله ، أراد بها أن يعيدني إلى الطريق المستقيم ، وحين عدت أسترد الله أمانته وهديته القيمة منا