هل تعلم أن أقسى أنواع الألم هو الألم الناتج عن الحرق ، هل تعلم أن الحروق الخطرة لا تلتئم بسرعة ، وحتى وإن إلتئمت لا تزول آثارها مدى الحياة ، حتى بعد عمليات التجميل وترقيع الجلد وكافة الإجراءات الطبية يبقى أثر الحريق على جسد المصاب ، ليذكره على الدوام بما حدث له .
كنت فتاة متوسطة الجمال أعترف لكني كنت أحسن ترتيب مظهري لكي أبدو أجمل ، وكنت أعلم كيف أتخير الملابس التي تجعلني أبدو أرشق ، وألوان مواد التجميل التي تجعل ملامح وجهي أجمل .
في ثانية واحدة انتهى كل شيء ، فقدت كل شيء ، حين حدث حريق في منزل أسرتي بسبب تسرب الغاز ، كنت وحدي بالمنزل نائمة ، ويبدو أن الدخان الذي تصاعد بسبب الحريق سبب لي الإغماء ، لم أستيقظ إلا بعد أن شعرت بالنار تأكل جسدي .
لا أستطيع أن أصف ما شعرت به حينها وكيف كان الألم قوي ، كنت أفقد الوعي للحظات وأفيق من جديد بسبب الألم ، موت بالبطئ ، وبدأت أنطق الشهادة وأردد يا رب يا رب ، فقدت الوعي مرة أخيرة وحين أفقت وجدت نفسي في عنبر الحريق بالمستشفى ، لا أشعر بألم كبير ، الحقيقة لا أشعر بشيء ، لم أكن أدري هل ما يحدث حولي حقيقة أم أنه من أثر الدواء .
دقائق وعاد الألم ، لم أكن أملك إلا أن أصرخ وأبكي ، لا أستطيع أن أتحرك أو أحرم أي جزء من جسدي بسبب الألم ، شدة عظيمة أتمنى أن يبعدها الله عن الجميع ، وبعد يومين بدأت في استيعاب ما حدث ، وكنت أستمع للأطباء يتحدثون مع والدتي ، ويخبروها أن تترك أمري إلى الله ، لا تأمل في أي تحسن أو عودة من جديد للحياة ، لاستمرار حياتي أمل صعب أن يتحقق ، ولكن المعجزات بيد الله .
كنت أستمع لحديث الطبيب وأنا أدعو الله أن يرحمني ويرحم والدتي من هذا العذاب العظيم ، دعوت الله كثيرًا لكن الله أراد لي النجاة ، بعد مرور مرحلة الخطر بدأ الأطباء يعالجونني بشكل أكثر جدية ، فقد كانوا في الفترة السابقة لا يحقنونني إلا بالمسكنات فقط ، لولا عناية الله لكنت في العالم الأخر .
ومرت الأيام ثقيلة بين ألم وأمل ولكني أكثر ما أتعبني هو تخلي الجميع عني ، معاملتهم لي على أني لم أعد موجودة ، وكأنني مت حتى قبل أن أموت ، كان ألم جسدي يهدأ بالمسكنات ، لكن ألم روحي وقلبي لم يهدأ على الإطلاق .
مرت شهور بعد إصابتي ولم يتحدث إلي أحد من معارفي ، وكأن ما أصابني مرض قد يصيبهم بالعدوى ، حتى حين كنت في زيارة لطبيبي وصادفت مجموعة من أصدقائي القدامى ، عاملوني جميعهم ببرود شديد وكأنه لم تجمعنا أي علاقة من قبل .
اعتزلت الجميع إلا والدتي ، كانت هي الوحيدة بجواري تساعدني وتساندني ، شجعتني على الاستمرار وحاولت أن تبث بي الحياة من جديد ، أحضرت لي أقلام فحم وأوراق بيضاء طلبت مني أن أستعيد شغفي القديم .
حاولت فترة طويلة قبل أن أتمكن من أن أجيد استخدام أدواتي من جديد ، لكني أصررت على العودة ، عدت بقوة وحققت الكثير من الأحلام التي سبق وغابت عن خيالي ، وتركت الجامعة وتوقفت عن الشعور بالعذاب والمرار ، كونت أصدقاء جدد وحياة جديدة ، تسندني فيها والدتي وزوجي الذي أحبتي رغم أثار الحروق ، تعلمت أن عذاب الحريق يمكن أن يذهب ويتم علاجه بالحب والدعم أكثر من المسكنات والدواء .