يُروى أنه في مرة من ذت المرات ، زارت سيدة مدرسة الصم والبكم ، ولعجزها عن التفاهم بالإشارة ، مع الأطفال كتبت على السبورة ، بماذا يشبه الصدق ؟
الفتاة الصغيرة والصدق :
فرفعت بنت صغيرة يدها ، فدعتها السيدة لتكتب ما خطر ببالها ، فتناولت البنت قطعة من الطباشير ، ورسمت خطّا مستقيمًا من نقطة إلى أخرى ، فسُرت السيدة كثيرًا ، وكتبت أيضًا :بماذا يشبه الكذب ؟
الفتاة الصغيرة والكذب :
فقامت الفتاة الصغيرة بمحو ما رسمته أولاً ، ورسمت خطًا معوجًا جدًا ، فاستنتجت السيدة أن البنت أجابت بان الصدق طريق مستقيم ، من يسلكه سلم ، وأن الكذب طريق معوج كثير العثرات ، لا يؤمن من سلكه الوقوع في الزلات .
جزاء الصادق :
وللصادق جزاء عظيم ، فيروى أنه في إحدى القرى ، ذهب فلاح إلى جار له غني مولع بالصيد ، وشكا إليه ما أصاب القمح في حقله من تلف بسبب كثرة دخول كلابه به .
التقدير والتعويض :
فقال الجار : حقًا يا صاحبي كثيرًا ما نزلت كلابي في حقلك ، وربما سببت شيئًا من التلف ، وأنا مستعد لتعويض خسارتك ، فقال الفلاح : لمّا رأيت ما حل بأرضي من التلف دعوت صديقًا لي لتقدير الخسارة ، فقرر أنها تبلغ خمسمائة جنيه ، فقد إليه الثري ما طلب من التعويض .
الحصاد والجزء التالف :
ولما جاء وقت الحصاد ، وجد الفلاح أن الجزء الذي ظنه تالفًا ، أتى بأحسن حاصل ، فذهب إلى الثري وأعلمه بحقيقة الحال ، وقال : إنه قد أتى لرد المبلغ ، لأنه لا يرى نفسه ، حقًا فيه ، فقال الثري : هذا ما ينبغي بين الرجل والرجل ، ثم ذهب إلى حجرة أخرى ، فعاد ومعه خمسة أمثال المبلغ ، وقدمه إلى الفلاح .
المبلغ المدخر :
وقال وهو يقدمه للفلاح : ادّخر هذا المبلغ حتى يصير عمر ابنك ، إحدى وعشرين سنة ، وإذ جاء سلّمه إليه وقص عليه قصته .
التوبة ببركة الصدق :
وللصدق بركة ، فيروي أحد مشايخ السلف قائلًا : بنيت أمري على الصدق ، وذلك أني خرجت من مكة إلى بغداد ، أطلب العلم ، فأعطتني أمي أربعين دينارًا ، وعاهدتني على الصدق ، فلما وصلنا أرض (همدان) ، خرج علينا عرب فأخذوا القافلة ، فمر واحد منهم قال : ما معك ؟ قلت : أربعون دينارًا ، فظن أني أهزأ به فتركني .
عهد الصدق :
فرآني رجل آخر فقال : ما معك ؟ فأخبرته ، فأخذني إلى أميرهم ، فسألني فأخبرته ، فقال : ما حملك على الصدق ؟! .. قلت عاهدتني أمي على الصدق ، فأخاف أن أخون عهدها ، فصاح ومزق ثيابه ، وقال : أنت تخاف أن تخون عهد أمك ، وأنا لا أخاف أن أخون عهد الله !! ثم أمر برد ما أخذوه من القافلة .
وقال : أنا تائب لله على يديك ، فقال من معه : أنت كبيرنا في قطع الطريق ، وأنت كبيرنا اليوم في التوبة ، فتابوا جميعًا ببركة الصدق .