كان الغصن يشعر بالفرح لأن العصفورين الأصفرين قد تمكنا من بناء عشهما فوقه ، ثم رقدت العصفورة فوق بيضها بكل حنان ، وكان العصفور يقف بجوارها وهو ينظر إليها ، حيث ملأت الابتسامة منقاره ولم تفارقه ، كان يتذكر كيف تمكن برفقة زوجته العصفورة من بناء عشهما قشة قشة .
كان يتذكر العصفور كيف قاما بتبطين هذا العش بالريش الناعم ، حقًا لقد تبلل هذا الريش بعرقهما ، ولكنه تعب لذيذ ومثمر ، وبعد مرور أسبوعين في هذا العيش وفي صباح جميل من أيام الربيع ؛ قام أحد الأفراخ بنقر قشرة البيض ، ثم مطّ منقاره اللين وبدأ في الزقزقة ، كأنه يريد أن يُخبر الطبيعة بقدومه إلى هذه الحياة ؛ كي تفتح له ذراعيها .
شعر الأبوان العصفوران بالسعادة الغامرة ، فطارا بين الحقول ليتحدثا عن نبأ سعادتهما ، ثم توالى البيض في عمليات الفقس ، حتى أصبح العش يحتوي على أربعة أفراخ صغار جميلة ، والتي كانت تكبر يومًا بعد يوم ، وكان زغبها الناعم يتبدل لينبت بدلًا منه ريش ناعم جميل .
كانت العصافير الصغيرة تنام تحت أجنحة بعضها البعض ، وكانوا يأكلون ما يُحضره الأبوان من طعام ، إلا واحدًا فقط كان لا يأكل سوى الدودة الكبيرة ، وكان لا ينام إلا حينما يمدد قدميه ، حيث أنه كان لا يهتم بأن العش قد أصبح ضيق عليهم ، وذلك لأنهم جميعًا كبروا ، ولكنه كان لا يهتم إلا بنفسه .
قامت العصافير الثلاثة الأخرى بالتحدث إلى أمهم عن صفات أخيهم السيئة ، فقالت إليه الأم :”كن مهذبًا ؛ وعليك أن تعلم أن الإساءة تعود إلى صاحبها ، ولتتعلم كيفية التعامل الجيد مع الآخرين وإلا سأقوم بحرمانك من الطعام لمدة يوم كامل” ، شعر العصفور بالانزعاج من حديث أمه معه ، ولكنه لم يتعلم ، بل أصبحت طباعه أكثر سوءًا .
قالت الأم في اليوم التالي لأبنائها :” هيا يا أحبائي ؛ حركوا أجنحتكم هنا داخل العش من أجل أن تصبح قوية لتساعدكم على الطيران” ، فقامت العصافير الثلاثة حسنة الطباع بتحريك أجنحتهم ، بينما قام العصفور الرابع ذو الطباع السيئة بالسخرية من إخوته قائلًا :” ستشعرون بالتعب في أجنحتكم ولن تستطيعوا الطيران ، أما أنا فسأكون أقوى منكم لأن جسدي مرتاح”.
أصبحت العصافير الثلاثة تطير من غصن إلى آخر وهم يلعبون مع الفراشات ويضحكون ويزقزقون ، فشعر العصفور الرابع بالغيرة من إخوته ، فرغب في مشاركتهم اللعب ، مما جعله يقوم بالقفز إلى أعلى كي يطير ، ولكنه سقط على الأرض وجُرحت رأسه ، أسرع إليه أبواه وإخوته ، حيث احتضنوه ثم حملوه إلى داخل العش .
قامت الأم بتضميد جرح رأس ابنها العصفور ، حتى أصبح لا يستطيع أن يرى شيئًا ، ولكن في صباح اليوم التالي شعر الأبوان والإخوة الثلاثة بالسعادة ، حيث أن العصفور الجريح كان يقوم بتحريك جناحيه بمفرده داخل العش ، قصة “فوق الأغصان”
قصة من أدب الأطفال :
للكاتب السوري “خير الدين عبيد”.