لي خرطوم طويل ، ولكنني لست فيلاً في غابة ، أو في حديقة الحيوان ، بل عشت منذ زمن بعيد ، وكانت لي شهرة كبيرة  ، وحكاية غريبة أحب أن تعرفوها !

فيل أبرهة :
بدأت حكايتي في بلاد الحبشة ، وكنت أعيش حرًا بين الأشجار ، إلى أن اصطادني أهل الحبشة ، وعندما وجدوا أني فيل عظيم ، ضموني إلى الجيش ، وسافرت مع الجيش إلى اليمن ، وكان الناس يخافونني ، ويرتعشون عندما يسمعون بقدومي ، لأني كنت أنشر الخراب في كل مكان أذهب إليه !.

معبد أبرهة :
فكنت إذا خطوت فوق شيء كسرته وحطمته ، وتمكنت بذلك من أن أجعل أهلي الأحباش يحتلون بلاد اليمن ، وأكرمني القائد أبرهة ، وجعلني الفيل الخاص به ، ورفض أن أحمل الأحجار والأخشاب للمعبد الكبير الذي كان يبنيه ، فقد كان يبني معبدًا كبيرًا ليصبح أعظم من ذلك المعبد الموجود في مكة ، والذي كان الناس من كل مكان يزورونه.

معبد الفيل :
وقد أقام أبرهة في معبده الكبير كعبة من الذهب ، حتى يحج الناس إليها بدلاً من أن يحجوا إلى الكعبة في مكة ، غير أن الناس لم تأت إلى كعبة أبرهة ، واستمروا في الذهاب إلى مكة.

غضب أبرهة وهدم الكعبة :
وضاق أبرهة بذلك وغضب ، وقرر أن يهدم كعبة مكة ، وبذلك لا يجد الناس أمامهم غير الكعبة التي بناها من الذهب فيأتون إليها ، وأعد أبرهة جيشًا كبيرًا لكي يحارب به مكة وأهل مكة.

وطبعًا كنت من ضمن هذا الجيش ، لكي يركبني أبرهة الذي سيسير في أول الجيش ، وكان برهة ينوي أن أحملة حتى الكعبة ، كعبة مكة ، وعندما أميل عليها بجسمي الضخم سوف أهدمها ، وكثيرًا ما فعلت هذا في بيوت أعداء أبرهة .

إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام :
والحقيقة أنني لم أكن راضي عن هذا العمل ، ولكن لم أستطع أن أرفض الذهاب معهم ، وقد سرت وجيش أبرهة حولي ، والجنود يتكلمون عن مكة وأهلها ، وعن الكعبة وحكاياتها ، وعرفت أن الذي بناها هو نبي الله اسمه إبراهيم عليه السلام ، وأنّ ابنه إسماعيل اشترك معه في البناء ، وقالوا أن إبراهيم صاحب معجزات ، فقد رماه قومه في النار ولم يحترق.

الكعبة الشريفة :
وعرفت أن هذه الكعبة شريفة  ، وأنها بيت الله الحرام ، وأنّ هذا البيت الحرام بيت آمن ، يدخله الناس في يمسهم أحد بضرر أو بسوء ، ويهبط فيه الحمام فلا يصطاده أحد ولا يقربه أحد ، إنه مكان آمن هادئ ، مقدس يحبه الناس ، ويحتمون به ويصلون به ، وعرفت من الجنود أن أهل مكة خافوا عندما سمعوا عني ، وعندما عرفوا أنني ذاهب إليهم ، لأنهم سمعوا عن قوتي ، وقدرتي على هدم كل ما في طريقي .

الفيل البطل :
ولم يكن قد بقيّ لنا لكي نصل إلى مكة سوى ليلة واحدة ، وبعدها تنهدم الكعبة ، وتنهدم مكة كلها ، ولم يكن هناك جيش يعترض طريقنا أو يمنعنا من التقدم ، الطريق مفتوح ولا أمل في أن تنجو مكة أو تفلت منا الكعبة ، وكان كل ما في الجيش ينظر إليّ في إعجاب ، وكثيرًا ما قال بعضهم : تقدم يا بطل ، سر يا فيل يا أعظم الأفيال .

للبيت رب يحميه :
ونحن في الطريق نتعجل الوصول لمكة ، تجيئنا رواية عن عبد المطلب زعيم مكة ، تجعلنا جميعًا ، نفكر في معناها ، وتجعلنا جميعًا نهتز منها ، قالوا إن عبد المطلب ، لما علم أن أبرهة ، وجيشه وأنا سنهدم الكعبة ، لم يخف ، وقال : للبيت رب يحميه.

الكلمة والقدرة على السير :
هذه كلمة كبيرة قالها عبد المطلب ، جعلتني أخاف ، لقد أصبحت أخاف ، أنا الفيل الرهيب الذي أمر في أي مدينة ، وفي أي لحظة أجعلها خرابًا ، ولا يبقى منها بيت واحد قائم في مكانه ، نعم خفت من هذه الكلمة التي قالها عبد المطلب ، وبدأت لا أقدر على السير ، شعرت بتعب شديد ، ولم أكن وحدي الذي أحس بهذا ، بل كل الأفيال ، وكل الخيول وكل الجمال ، وكل الجنود أصبحوا غير قادرين على السير.

لن أهدم الكعبة :
ولم ألبث أن وجدت نفسي أقف مكاني ، لم أقدر على التحرك ، كأن أرجلي التصقت بالأرض ، تسمرت فيها ، لا أستطيع نقلها من مكانها خطوة واحدة في الطريق إلى مكة ، انزعج أبرهة والجنود ، أداروني إلى الخلف فتمكنت من السير ، أداروني إلى اليمين استطعت المشي ، أداروني إلى اليسار خطوت ببساطة! وعندما جعلوني في اتجاه الكعبة وقفت ولم أتحرك !

ضربوني وجذبوني ولسعوني بالنار ، ومع ذلك ظللت مكاني ، لن أذهب إلى مكة ، لم أهدم الكعبة مهما فعلتم معي ! كانوا لا يريدون أن أرجع ، إلا إذا خلصتهم من مكة وكعبتها وأهلها.

طير الأبابيل :
وفجأة حدث شيء غريب عجيب ، رأيت بعيني طيرًا تغطي السماء كلها ، لا تظهر منها شيئًا ، حتى أن الدنيا أظلمت ، ولم أعد أستطيع أن أعرف هل أنا في حلم ، أم أنا صاح أرى ما حولي ! وسمعت الجنود يصرخون : هذه طير الأبابيل ، ترمي بحجارة من سجيل وتساقطت علينا حجارة صغيرة ، ربنا لا تزيد عن حبة الفلول أو حبة القمح ، ينزل الواحد منها على أضخم فيل من زملائي ، فإذا به يرقد على الأرض ، ويسقط على أكبر جمل فإذا به يبرك في التراب ، يهبط على أضخم رجل فإذا به ينتهي ويموت .

النور حول الكعبة :
ووجدتني أنا الفيل الشهير أنظر إلى ما حولي وأرتعش ، لقد دمرت الكثير في حياتي ، ولكنني لم أشاهد مثل هذا الذي أراه يحدث ، ووجدتني أركع وأنا أرى من بعيد نورًا يمتد بين الأرض والسماء ، كان هذا النور حول مكة .

فرحة قريش بهزيمة جيش أبرهة :
ورأيت عبد المطلب زعيم قريش ، يقف ليتقبل التهنئة من الناس ، وكلمة مبروك تتردد على ألسنتهم ، لأن جيش أبرهة قد انتهى ولن يستطيع أن يدخل مكة أو يهدم الكعبة !

منام عبد المطلب :
وكان عبد المطلب يحكي لم حوله ما رآه في المنام ! لقد رأى سلسلة من الفضة خرجت من ظهره ، لها طرف في الأرض وطرف في السماء ، وظهرت هذه السلسلة بعد قليل كأنها شجرة ، وعلى ورقة منها نور وتعلق بها كل الناس .

تفسير رؤية عبد المطلب :
وفسر السامعون الرؤية لعبد المطلب على أن ابنه عبد الله ، سيرزق ابنًا يتعلق به الناس في الشرق وفي الغرب وبشروه وهنئوه ، وسألوه ماذا تسميه ؟ أجاب أسميه محمدًا .. ليحمده من في الأرض ومن في السماء .

نهاية الفيل :
ومع بشرى ميلاد محمد كانت نهايتي ، ونهاية جيش أبرهة ، أنا الفيل الشهير ، وقد بقيت مكة ، وبقيت الكعبة ، وستبقى إلى آخر الدهر ، خالدة عزيزة ، تتجه إليها أمة محمد خمس مرات كل يوم وهي تصلي لله الذي أرسل إليهم نبي الهدى .

وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم : بسم الله الرحمن الرحيم (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ *  أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ ) صدق الله العظيم .

By Lars