حسن الظن بالله ، عبادة يغفل عنها الكثيرون ، على الرغم من أن ديننا الحنيف قد أمرنا بها ، وحسن الظن يعني أن يرضى العبد بما قسمه الله له ، من أقدار وأحداث وعطايا ، حتى لو كانت ضد رغبته أو طموحه الحالي ، فقد يرتب العبد لنفسه أمرًا ما ، فيؤخره الله عليه ، حتى يكون على استعداد قوي له ، أو يبدله الله أفضل منه ، فيمنع ما رغب به عنه ، فعوض الله دائمًا خير ولن يأتي العوض .
سوى بقدر حسن ظن العبد بربه ، فإن حسن ظن العبد بربه ، رزقه على قدر حسن ظنه من الخير ، وأما إن أساء العبد الظن بربه ، ابتلاه ربه بقدر سوء ظنه ، فقد قال النبي الكريم ، صل الله عليه وسلم ، لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله .
في أحد الأيام ، اصطحب صياد زوجته ، وخرجا على متن سف ينتهما إلى عرض البحر ، قاصدين أن يجلبا رزق الله لهما ، ولكن في منتصف الطريق وفي عرض البحر ، هبت عاصفة شديدة ، دفعت بالمياه إلى السفينة الصغيرة ، وهاجت الأمواج بشدة ، فبدأ الرعب يدب في قلبيهما ، وأيقن الزوجان أنهما هالكان لا محالة ، مع هذا الطقس العاصف ، ولا فرصة للنجاة من تلك النهاية المحتومة ، إلا بمعجزة يسوقها إليهما الله سبحانه وتعالى .
انهارت الزوجة المسكينة ، وأخذت تصرخ بشدة ، وهي لا تدري ولا تعرف ما يجب عليها أن تفعل ، في تلك اللحظات الخطرة ، ومن شدة رعبها بأن أجلها قد حان ، ذهبت تصرخ على زوجها ، وتعلقت برقبته وهي في حالة من الهياج والذعر ، لكنها لدهشتها وجدته يجلس في زاوية السفينة ، هادئًا مستسلمًا وكأن شيئًا لم يحدث .
نظرت الزوجة المسكينة إلى زوجها في ذهول ، وسألته عما حل به ، فقد ظنته يعاني من مرض ما ، فاندفعت نحوه وهي تلومه على لا مبالاته بتلك الكارثة ، المحدقة بهما وهو في حالة من البرود ، هنا نهض الزوج واستل سيفه ووضعه على رقبتها ، وقال لها لم لم تخافي مني عندما فعلت ذلك بك ؟ فقالت له أنا أعلم تمامًا أنك لن تؤذيني ، فلماذا فعلت ذلك ؟ فقال لها زوجها لماذا لم تخافي؟ فقالت له لأنني أثق بك تمامًا ، فابتسم الزوج وقال لها ، وكيف تثقين بي وأنا بشر ، ولا تثقين برب العالمين ، وهو الذي خلقنا وقادر على إنقاذنا من أي كرب ، فهو المسيطر وهو المدبر لكل أمورنا ، فشعرت الزوجة بالخجل .
وقالت له ، لديك كل الحق يا زوجي العزيز ، بالفعل الله سبحانه وتعالى ، قادر على تبديل الحال وتغييره إلى أحسنه ، إذا ما أحسنا الظن به ، وأنه على كل شيء قدير ، وهذا أمر ليس بالسهل كما أنه ليس صعبًا إلى حد بعيد ، فالمسلم الحق ينبغي عليه ، أن يتوقع الخير دائمًا من المولى عزوجل ، حتى في أحلك الظروف والأزمات ، وجلس الزوجان قليلاً فهدأت الأمواج ، وسيقت السفينة في طريقها وعادت بهما إلى الشاطئ ، بعدما أفرغا منها كل المياه ، وعادا إلى بيتهما مسروران بالنجاة ، وفرحين بأن الله قد منحهما النجاة ، نتيجة حسن ظنهما به .
فعن أبي هريرة عن النبي صلّ الله عليه وسلم ، قال إياكم والظن ، فإن الظن أكذب الحديث ، ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ، وكونوا عباد الله إخوانًا .